وشرحناه بما حضرنا. وأنا أتبع ذلك بما يحضرني من المبنيات التي لم يتقدم ذكرها وأتقصاه بمبلغ قوتي فيه. وبالله أعتصم من الزيغ والزلل وما توفيقي إلا بالله.
اعلم أن الأسماء المضمرة وهي الأسماء المكنيات، مبنيات كلها وهي تنقسم قسمين: متصل ومنفصل.
فالمتصل لا حاجة بنا إلى إيضاح علة بنائه؛ لأنه لا يقوم بنفسه ولا ينطق به مفردا من غيره، وإنما يجئ متصلا باسم أو فعل أو حرف، فيصير كبعض حروفه.
وأما المنفصل من المضمر، فهو لا يقوم بنفسه في المعنى، وإن جاز النطق به مفردا.
وإنما لم يقم بنفسه لأنه لا يخلو من أن يكون للمتكلم وللمخاطب وللغائب، ولا يذكر إلا بعد تقديم اسمه الظاهر الذي هو سمته، ويعرف به، فكان احتياج المكني المضمر إلى ما يتقدمه من الاسم الظاهر يخرجه من شبه الأسماء المتمكنة، ويدخله في شبه الحروف؛ لأن الحروف لا تدل بأنفسها على المعاني، وإنما هي تأثيرات في الأسماء والأفعال القائمة بأنفسها لمعانيها، وضمير المتكلم والمخاطب في مثل هذا المعنى، وذلك أن حضورهما بمنزلة
ذكر الغائب، فلم تكن الأسماء المكنية دالة عليها إلا بحضورهما، كما لم تدل على الغائب إلا بحضور ذكره.
وأما الأسماء المبهمة؛ نحو: " هذا " وما تفرع منه، فمبني لما تقدم من ذكره.
وأما الأسماء الموصولة، وهي " الذي " وما يجري مجراه فمبنيات. وقد مر علة بناء " من " إذا كانت موصولة. وكل موصول في معنى ذلك.
وأما الأصوات فتجري على ضربين: معرفة ونكرة؛ فالمعرفة منها مبنية على السكون، إلا أن يلتقي في آخره ساكنان، فيحرك على قدر ما يستوجبه، لالتقاء الساكنين فما جاء منه ساكنا ولم يلتق في آخره ساكنان: " صه " ومعناه: اسكت، و " مه " ومعناه: انته وكفّ، و " عدس "، وهو زجر البغل. قال الشاعر:
عدس ما لعّباد عليك إمارة
… نجوت وهذا تحملين طليق (1)
وما التقى في آخره ساكنان فحرّك، فنحو: " إيه " و " غاق ". قال ذو الرمة:
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ مالك
… وما بال تكليم الدّيار البلاقع (2)
وكان الأصمعي يخطّئ ذا الرمة في هذا البيت، ويزعم أن العرب لا تقول إلا