لأن قائما صفة لا يحسن وضعها في موضع الأسماء، ولو حسن أن تقول فيها قائم لجعلت رجلا بدلا منه، أو يكون رفعه على الاستئناف، وكأنك قلت: هو رجل على سؤال من قال: من هو؟
قال: " وهذا كلام أكثر ما يكون في الشعر وأقل ما يكون في الكلام " يعني أن طلب وزن الشعر ربما يضطر الشاعر إلى التقديم، فيخرج إلى تقديم الصفة التي ذكرنا على الموصوف، وإذا قدّمت الصفة على الظرف بطل النصب. لا تقول: قائما فيها رجل، وقد ذكرنا أن العامل في الحال إذا كان ظرفا أو إشارة أو تنبيها لم يتقدم الحال عليه، لا تقول:
زيد قائما في الدار، ولا قائما زيد في الدار، ولا قائما في الدار زيد، ولا قائما هذا زيد، وإنما يتقدم الحال على العامل إذا كان العامل فيها فعلا، كقولك: راكبا مرّ زيد، وراكبا مرّ الرجل؛ لأن الظروف والإشارة لا تتصرف كتصرف الفعل، فضعف عملها في ما قبلها، وإن كانت قد أنزلت منزلة الفعل في كونها خبرا للاسم، ووقع في النسخ وهو قائما رجل، فهو عندي سهو تناسخه الناس ولم يعتقد، ونصبه إن جاز بشيء متأول بعيد، كأن قائلا قال: على أي حال زيد رجل؟ يريد من الرّجلة والشهامة، فقال المجيب: هو قائما رجل؛ أي إذا كان قائما، كما يقال: هذا يسرا أطيب منه نحرا.
قال سيبويه: " ومن ثمّ صار مررت قائما برجل لا يجوز؛ لأنّه صار قبل العامل في الاسم، وليس بفعل والعامل الباء ولو حسن هذا لحسن قائما هذا رجل "
قال أبو سعيد: إذا عمل في الاسم الذي الحال منه عامل لا يجوز تقديمه عليه، نحو حروف الجر، لم يجز تقديم الحال على عامله. لا تقول: مرّ زيد قائمة بهند؛ لأن هندا لا يجوز تقديمها على الباء، والحال تابعة للاسم، فلم يجز تقديمها عليه، وإن كان العامل فيها الفعل، ورأيت أبا الحسن بن كيسان يجيز في القياس مررت قائمة بهند.
قال سيبويه: " فإن قال قائل: أقول مررت ب (قائما) رجل، فيكون الحال بعد حرف الجر، فهذا أقبح وأخبث للفصل بين الجار والمجرور، ومن ثمّ أسقط ربّ قائما رجل. فهذا كلام قبيح ضعيف، فاعرف قبحه، فإنّ إعرابه يسير. ولو استحسنّاه لقلنا:
هو بمنزلة فيها قائما رجل، ولكنّ معرفة قبحه أمثل من إعرابه.
وأمّا بك مأخوذ زيد، فإنّه لا يكون إلّا رفعا، من قبل أنّ بك لا يكون مستقرا للرجل، وعلى ذلك أنه لا يستغنى عليه السكوت. ولو نصبت هذا لنصبت اليوم