وغلمان خبره، ولك صفة، وقد ذكرنا أن (كم) في الاستفهام تنصب لا غير.
وقد ذكر سيبويه عن الخليل: على كم جذع بيتك مبنيّ؟ وذكر أن القياس النصب، وإنما خفض بإضمار (من) وصارت (على) في أول الكلام عوضا منها، ولاها الله لا أفعل، وآلله ليفعلن، ألف الاستفهام في اسم الله تعالى، و (ها) في (لاها) عوض من واو القسم، وقد ذكر ذاك في موضعه.
و (كم) في الخبر تخالف (كم) في الاستفهام في المميز وفي إعراب المميز، أما المميز في (كم) للاستفهام فهو واحد منكور، وإعرابه النصب.
وأما (كم) في الخبر، فمميز ويكون واحدا وجميعا، ويكون مخفوضا ومنصوبا، والأكثر فيه الخفض، وذكر أصحابنا أنهم نصبوا بها في الاستفهام وخفضوا في الخبر للفرق بين المعنيين.
ولقائل أن يقول: فلم صارت التي للاستفهام أولى بالنصب والأخرى أولى بالخفض؟ فالجواب عن ذلك: أن التي في الخبر تضارع (ربّ) وهي حرف، وكم للتكثير ورب للتقليل، فلما وجب في التي تضارع (رب) في الخبر الخفض بمضارعة (رب) وجب للأخرى النصب؛ لأن العدد إما عمل نصبا أو خفضا.
ومما تقوي ذلك أن الاستفهام مضارع للفعل، والفعل له النصب، فكذلك جعلت بمنزلة ما ينصب، وإنما أضيف التي في الخبر إلى الجمع والواحد؛ لأنه لما وجب لها الخفض وكان العدد الخافض بعضه يميّز بجمع كقولك: ثلاثة أثواب وخمسة أجمال وبعضه يميّز بواحد كقولك: مائة ثوب وألف درهم، فيجوز في (كم) الوجهان، كما جاء في العدد الذي تعمل عمله. والذين ينصبون بها في الخبر يحملونه على الاستفهام، وهو الأصل لأن (كم) عدد منهم فأصلها الاستفهام؛ لأن المستفهم يحتاج أن يبهم لشرح ما يسأل عنه، وليس الأصل في الإخبار والإبهام، فذلك صار الأصل الاستفهام، فإذا نصب بما في الخبر جاز أن يكون المنصوب جماعة؛ لأنه يزد به ما لباب فيه.
والأكثر الخفض، فصار كقولك: مائتين عاما وثلاثة أثوابا إذا احتاج إلى نصبه الشاعر فإذا فصلت بين (كم) وهي خافضة، وبين ما تخفضه فإن الأحسن حملها على لغة من ينصب بها لقبح الفصل بين الخافض والمخفوض، وقد ذكرت ما أنشده في ذلك.
وبيت الفرزدق من ينشد على ثلاثة أوجه:
أجوده الخفض؛ لأنه خبر، كم عمة لك يا جرير، هي في معنى (عمات) وبعدها النصب، وهي- أيضا- في معنى عمات، وإذا رفع فقيل: