ولما قدم زر بن كليب بالفيل مع الأخماس فطيف به فى المدينة ليراه الناس، جعلت ضعيفات النساء يقلن: أمن خلق الله ما نرى؟ ورأينه مصنوعا، فرده أبو بكر، رضى الله عنه، مع زر.
وعن زياد بن حنظلة قال: إنى لبالمدينة وقد قدمتها وافدا من البحرين، إذ أرسل إلىّ أبو بكر وقد قدم عليه الخبر بوقعة ذات السلاسل، فقال لى: ألم تعلم أنه كان من الشأن ذيت وذيت، وأن خالدا ألقى هرمز فاستلحم، وأن القعقاع استلحم فقتلهم وتنفل؟.
قال زياد: فأقبلت على نفسى أحدثها فقلت: الخليفة وفراسته، وذكرت قوله:
«ولا يهزم جيش فيهم مثل هذا» ، فما راعنى إلا وأبو بكر يقول: أين أنت يا زياد؟ أما إن خالدا سيتغير له ويتنكر، ثم يراجع ويعرف الحق. فاستنكره القعقاع بعد ذلك، ووقع بينهما ما يقع بين الناس حتى قال القعقاع يعاتبه ولم يكن إلا ذلك:
منعتك من قرنى قباذ وليتنى
... تركتك فاستذكت عليك المعاتب
عطفت عليك المهر حتى تفرجت
... وملت من الطعن الدراك الرواجب
أجالدهم والخيل تنحط فى القنا
... وأنت وحيد قد حوتك الكتائب
وكائن هزمنا من كتيبة قاهر
... وكم عجمتنا فى الحروب العجائب
ولما نزل خالد موضع الجسر الأعظم اليوم بالبصرة بعث المثنى بن حارثة فى آثار القوم، فمضى حتى انتهى إلى نهر المرأة وإلى الحصن الذى فيه المرأة، فخلف المثنى بن حارثة عليها من حاصرها فى قصرها، ومضى المثنى، وأسلمت فتزوجها المثنى، ولم يحرك خالد وأمراؤه الفلاحين فى شىء من فتوحهم لتقدم أبى بكر فيهم، وسبى أولاد المقاتلة الذين كانوا يقومون بأمور الأعاجم، وأقر من لم ينهض من الفلاحين وجعل لهم الذمة.
وبلغ سهم الفارس يوم ذات السلاسل والثنى ألف درهم، والراجل على الثلث من ذلك.
حديث الثّنى والمذار «1»
وكانت وقعة المذار فى صفر سنة اثنتى عشرة، ويومئذ قال الناس: صفر الأصفار، فيه يقتل كل جبار، على مجمع الأنهار.