فاقتتلوا فى صحار ملس هناك قتالا شديدا، ثم إن الله، عز وجل، هزم فارس، وهرب نرسى، وغلب المسلمون على عسكره وأرضه، وأخذ أبو عبيد ما حوى معسكرهم، وجمع الغنائم، فرأى من الأطعمة شيئا عظيما، فبعث فيمن يليه من العرب فانتفلوا ما شاؤا، لا يؤثرون فيه، وأخذت خزائن نرسى، فلم يكونوا بشىء مما خزن أفرح منهم بالنرسيان؛ لأنه كان يحميه ويمالئه عليه ملوكهم، فاقتسمه المسلمون، فجعلوا يطعمونه الفلاحين.
قال المدائنى: وسار أبو عبيد إلى الجالينوس فلقيه بباروسما فهزمه، فلحق بالمدائن، وبلغ الذين كانوا ببابل هزيمة نرسى وجالينوس، فرجعوا إلى المدائن، ودخل أبو عبيد باروسما، فصالحه ابن الأنذرزعر عن كل رأس بأربعة دراهم، وهيئوا له طعاما فأتوه به، فقال: لا آكل إلا ما يأكل مثله المسلمون. فقالوا: كل، فكل أصحابك يأكل مثل ما تؤتون به، فأكل، فلما راح المسلمون سألهم عن طعامهم فأخبروه، فإذا الذى أكلوا مثل طعامه.
وفى بعض ما أورده سيف من الأخبار أن ابن الأنذرزعر لما أعلم أبا عبيد بالطعام الذى صنعوا له، وأتوا به قال لهم: هل أكرمتم الجند بمثله وقريتموهم؟ قالوا: لا، قال:
فردوه فلا حاجة لنا فيه، بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوما من بلادهم اهراقوا دماءهم دونه، أو لم يهريقوها فاستأثر عليهم بشىء يصيبه! لا والله لا يأكل مما أفاء الله عليهم إلا مثل ما يأكل أوساطهم!.
قال المدائنى: وبعث أبو عبيد من باروسما المثنى بن حارثة إلى زندورد، وعاصم بن عمرو الأسدى إلى نهر جوير، وعروة بن زيد الخيل إلى الزوابى، فأما المثنى فإن أهل زندورد حاربوه فظفر بهم فقتل وسبى، وأما أهل الزوابى ونهر جوبر فصالحوا على صلح باروسما، فبعث أبو عبيد بخمس ما أصاب من أليس وخفان وكسكر وزندورد، وما صالح عليه إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ونزل أبو عبيد والمسلمون الحيرة.
وذكر سيف، أيضا، أنهم بعثوا بخمس ما أصابوا من النرسيان إلى عمر، رحمه الله، وكتبوا إليه: إن الله، عز وجل، أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها الناس، فأحبننا أن تروها لتذكروا أنعم الله وأفضاله.
وقال فى ذلك عاصم بن عمرو:
ضربنا حماة النرسيان بكسكر
... غداة لقيناهم ببيض بواتر