وكتبوا إلى عمر، أيضا، أن أقواما من أهل السواد ادعوا عهودا، ولم يقم على عهد الأيام لنا ولم يف به أحد علمناه إلا أهل بانقيا وبسما وأهل أليس الأخيرة، وادعة سائر أهل السواد أن فارس أكرهوهم وحشروهم، فلم يخالفوا إلينا، ولم يذهبوا فى الأرض.
وكتبوا إليه، أيضا، فى كتاب آخر: أن أهل السواد جلوا، فجاءنا من تمسك بعهده ولم يجلب علينا، فتممنا لهم على ما كان بين المسلمين وبينهم قبلنا، وزعموا أن أهل الأرض قد لحقوا بالمدائن، فأحدث إلينا فيمن أقام وفيمن جلا وفيمن ادعى أنه استكره وحشر فهرب ولم يقاتل، أو استسلم، فإنا بأرض رغيبة، والأرض خلاء من أهلها، وعددنا قليل، وقد كثر أهل صلحنا، وإن أعمر لها وأوهن لعدونا تألفهم.
فلما انتهى ما كتبوا به إلى عمر، رضى الله عنه، قام فى الناس فقال: إنه من يعمل بالهوى والمعصية يسقط حظه ولا يضر إلا نفسه، ومن يتبع السنة وينته إلى الشرائع ويلزم السبيل النهج ابتغاء ما عند الله لأهل طاعته أصاب أمره وظفر بحظه، وذلك أن الله عز وجل يقول: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً الكهف: 49 ، وقد ظهر الأيام والقوادس بما يليهم، وجلا أهله، وأتاهم من أقام على عهدهم، فما رأيكم فيمن زعم أنه استكره وحشر، وفيمن لم يدع ذلك ولم يقم وجلا، وفيمن أقام ولم يدع شيئا، ولم يجل، وفيمن استسلم.
فأجمعوا على أن الوفاء لمن أقام وكف، وأن من ادعى وصدق بمنزلتهم، ومن كذب نبذ إليهم وأعادوا صلحهم، وأن يجعل أمر من جلا إلى المسلمين، فإن شاؤا وادعوهم وكانوا لهم ذمة، وإن شاؤا أتموا على منعهم من أرضهم، ولم يعطوهم إلا القتال، وأن يخيروا من أقام واستسلم بين الجزاء والجلاء، وكذلك الفلاح.
فكتب عند ذلك عمر، رضى الله عنه، جوابا عما كتبوا إليه فى ذلك.
أما بعد، فإن الله عز وجل أنزل فى كل شىء رخصة فى بعض الحالات إلا فى أمرين: العدل فى السيرة، والذكر. فأما الذكر فلا رخصة فيه فى حالة، ولم يرض منه إلا بالكثير، وأما العدل فلا رخصة فيه فى قريب ولا بعيد، ولا فى شدة ولا رخاء، والعدل وإن رئى لنا، فهو أقوى وأطفأ للجور، وأقمع للباطل من الجور، وإن رئى شديدا فهو أنكس للكفر، فمن تم على عهده من أهل السواد ولم يعن عليكم بشىء فله الذمة وعليهم الجزية، وأما من ادعى أنه استكره ممن لم يخالفهم أو يذهب فى الأرض فلا تصدقوهم بما ادعوا من ذلك إلا أن تشاؤا، وإن لم تشاؤا فانبذوا إليهم، وأبلغوهم