وبين ضربه، وقد عصى أمرى كما ترون؛ فخرج على بعير له سريعا حتى لحق ابنه، ثم حدر النعم إلى المدينة، فلما كان ببطن قناة لقيته خيل لأبى بكر، عليها ابن مسعود، ويقال محمد بن مسلمة «1» وهو أثبت عندنا، فلما نظروا إليه ابتدروه، وما كان معه، وقالوا له: أين الفوارس الذين كانوا معك؟ قال: ما معى أحد، قالوا: بلى، لقد كان معك فوارس، فلما رأونا تغيبوا، فقال ابن مسعود: خلوا عنه فما كذب ولا كذبتم، جنود الله معه، ولم يرهم.
فقدم على أبى بكر بثلاثمائة بعير، وكانت أول صدقة قدم بها على أبى بكر.
وذكر بعض من ألف فى الردة: أن الزبرقان بن بدر هو الذى فعل هذا الفعل المنسوب فى هذا الحديث إلى عدى بن حاتم، فإما أن يكونا فعلاه معا توفيقا من الله لهما، وإما أن يكون هذا مما يعرض فى النقل من الاختلاف، والذى ينسب ذلك إلى الزبرقان يقول:
إنه قال فى ذلك:
لقد علمت قيس وخندف أننى
... وفيت إذا ما فارس الغدر ألجما
أتيت التى قد يعلم الله أنها
... إذا ذكرت كانت أعف وأكرما
أنفت لعوف أن يسب أبوهم
... إذا اقتسم الناس السوام المقسما
وروحتها من أهل جوفاء صبحت
... تدوس بأيديها الحصاد المحرما
حبوت بها قبر النبى وقد أبى
... فلم يجبه ساع من الناس مقسما
وقال أيضا:
وفيت بأذواد النبى ابن هاشم
... على موطن ضام الكريم المسودا
فأديتها ألفا ولو شئت ضمها
... رعاء يكون الوشيج المقصدا
وذكر ابن إسحاق: أن عدى بن حاتم كانت عنده إبل عظيمة اجتمعت له من صدقات قومه عندما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ارتد من الناس وارتجعوا صدقاتهم، وارتدت بنو أسد، وهم جيرانهم، اجتمعت طيئ إلى عدى بن حاتم، فقالوا: إن هذا الرجل قد مات، وقد انتقض الناس بعده، وقبض كل قوم ما كان فيهم من صدقاتهم، فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس، فقال: ألم تعطوا من أنفسكم العهد والميثاق على الوفاء طائعين غير مكرهين.