وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَوَثَبَ فِي مَلْحَفَةٍ، فَأَخَذَتِ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا وَقَالَتْ: إِنَّكَ امْرِؤٌ مُحَارِبٌ، وَإِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لا يَنْزِلُونَ فِي مِثْلِ هذه الساعة 1 قال: إنه أبو نائلة، فلو وَجَدَنِي نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِي، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشَّرَّ، قَالَ:
يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ: لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لأَجَابَ، فَنَزَلَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَتَحَدَّثُوا مَعَهُ، وَقَالُوا: هَلْ لك يا ابن الأَشْرَفِ أَنْ تَمْشِيَ مَعَنَا 2 إِلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ فَنَتَحَدَّثَ بِهِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ، فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ، فَمَشَوْا سَاعَةً، ثُمَّ إِنَّ أَبَا نَائِلَةَ شَامٌّ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ (3) ، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً، ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا حتى اطمأن، ثم مشى ساعة لِمِثْلِهَا فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ، فَضَرَبُوهُ، فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْتُ مِغْوَلا فِي سَيْفِي حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لا تُغْنِي شَيْئًا، فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إِلَّا أُوقِدَتْ عليه نارا 4 ، قال: فوضعته في ثنته، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ عَانَتَهُ، فَوَقَعَ عدو الله، وقد أصيب الحرث بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ وفي رجله، أصحابه بَعْضُ أَسْيَافِنَا، قَالَ:
فَخَرَجْنَا حَتَّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، ثُمَّ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ عَلَى بُعَاثٍ، حَتَّى أَسْنَدْنَا فِي حرة العريض، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحرث بْنُ أَوْسٍ، وَنَزَفَهُ الدَمُ، فَوَقَفْنَا لَه سَاعَةً، ثُمَّ أَتَانَا يَتَّبِعُ آثَارَنَا، فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخر اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا، فَأَخْبَرَنَاهُ بِمَقْتَلِ عَدُوِّ اللَّهِ، وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا، وَرَجَعْنَا إِلَى أَهْلِنَا، فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوِّ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيٌّ إِلَّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ. انْتَهَى خبر ابن إسحق، وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فِي ذَلِكَ شِعْرًا:
صَرَخْتُ بِهِ فَلَمْ يَعْرِضْ لِصَوْتِي
... وَأَوْفَى طَالِعًا مِنْ رَأْسِ جدرِ
فَعُدْتُ لَهُ فَقَالَ مَنِ المنادي
... فقلت أخوك عباد بن بشر