وَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَلَيْسَ بتفسير الْآيَة الْكَرِيمَة، بل هُوَ شئ آخَرُ غَيْرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عَبده مُحَمَّد صلى الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أُمَّتِهِ الصَّلَوَاتِ لَيْلَتَئِذٍ، خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ ربه عزوجل حَتَّى وَضعهَا الرب، جلّ جلاه وَله الْحَمد الْمِنَّة، إِلَى خَمْسٍ، وَقَالَ: " هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ".
فَحَصَلَ لَهُ التَّكْلِيمُ مِنَ الرب عزوجل لَيْلَتَئِذٍ.
وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ كَالْمُطْبِقِينَ عَلَى هَذَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّؤْيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ.
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٌ.
وَأَطْلَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ الرُّؤْيَةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْيِيدِ.
وَمِمَّنْ أَطْلَقَ الرُّؤْيَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضى الله عَنْهُمَا.
صرح بَعْضُهُمْ بِالرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنَيْنِ.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَبَالَغَ فِيهِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ آخَرُونَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: " نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " رَأَيْتُ نُورًا ".
قَالُوا: وَلَمْ يكن رُؤْيَةُ الْبَاقِي بِالْعَيْنِ الْفَانِيَةِ.
وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى فِيمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الالهية: يَا مُوسَى إِنَّه لايرانى حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ.
وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.