قال "الشافعي": قال لي قائل: نحن نرى أن نَسْفِرَ
ص: 284 بالفجر اعتماداً على حديث "رافع بن خديج" ونزْعُمُ أن الفضْل في ذلك، وأنت ترى أنْ جائِزًا لنا إذا اختلف الحديثان أنْ نأخذَ بأحدهما، ونحن نَعُدُّ هذا مخالفاً لحديث "عائشة".
قال: فقلت له: إن كان مخالفاً لحديث "عائشة"، فكان الذي يَلْزَمنا وإيَّاكَ أن نصير إلى حديث "عائشة" دونه، لأن أصل ما نبْنِي نحن وأنتم عليه: أن الأحاديث إذا اختلَفَت لم نذهب إلى واحد منها دون غيره إلا بسبب يدل على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تَرَكْنا.
قال: وما ذلك السبب؟
قلت: أن يكون أحدُ الحديثين أشْبَهَ بكتاب الله، فإذا أشبه كتابَ الله كانت فيه الحجةُ.
قال: هكذا نقول.
قلنا: فإن لم يكن فيه نصُّ كتاب كان
ص: 285 أوْلاهما بِنا الأثبتُ منهما، وذلك أن يكون مَن رواه أعرفَ إسنادا وأشهرَ بالعلم وأحفظَ له، أو يكونَ رُوِيَ الحديثُ الذي ذهبنا إليه مِن وجهين أو أكثرَ، والذي تركْنا مِن وجهٍ، فيكونَُ الأكثر أولى بالحفظ مِن الأقل، أو يكونَ الذي ذهبنا إليه أشبهَ بمعنى كتابِ الله، أو أشبهَ بما سِواهما مِن سُنَنِ رسول الله، أوْ أَوْلى بما يَعرف أهلُ العلم، أو أصحَّ في القياس، والذي عليه الأكثرُ مِن أصحاب رسول الله.
قال: وهكذا نَقول ويقول أهلُ العلم.
قلت: فحديث "عائشة" أشبه بِكتاب الله، لأن الله يقول: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى (238) " البقرة ، فإذا حَلَّ الوقت فأَوْلَى المُصلِّين بالمحافظة المُقَدِّمُ الصلاةِ.
ص: 286 وهو أيضاً أشهرُ رجالاً بالثِّقة وأحْفَظُ، ومع حديث "عائشة": ثلاثةٌ كلُّهم يَرْوُونَ عن النبي مثلَ معنى حديث "عائشة": "زيدُ بن ثابت" و"سهل بن سعد".
وهذا أشبه بسنن النبي مِن حديث "رافع بن خَدِيج".