قال: وأيُّ سننٍ؟
قلت: قال رسول الله: " أَوَّلُ الوَقْتِ رِضْوَانُ اللهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللهِ " (1) .
ص: 287 وهو لا يُؤْثِر على رضوان الله شيئاً، والعفو لا يحتمل إلا معنيَيْنِ: عفْوٌ عن تقْصيرٍ، أو توْسِعَةٌ، والتوسعة تُشْبِه أن يكون الفضْل في غيرِها، إذْ لم يُؤْمَرْ بترك ذلك الغير الذي وُسِّع في خلافها.
قال: وما تريد بهذا؟
ص: 288 قلت: إذْ لم نؤمر بترك الوقت الأول، وكان جائزاً أنْ نُصَلِّيَ فيه وفي غيره قبْلَهُ، فالفضْل في التَّقْديم، والتأخيرُ تقصيرٌ مُوَسَّعٌ.
وقد أبانَ رسولُ الله مثْلَ ما قلنا، وسُئِلَ: أيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فقال: " الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا " (2) .
وهو لا يدع موضع الفضل، ولا يأمر الناس إلا به.
وهو الذي لا يجهله عالم: أنَّ تقديمَ الصلاة في أول وقتها أولى بالفضل، لِمَا يَعْرِضُ للآدمِيِّينَ مِن الأشغال والنِّسْيان والعِلَل.
ص: 289 وهذا أشبه بمعنى كتاب الله.
قال: وأيْن هو من الكتاب؟
قلت: قال الله: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى (238) " البقرة ، ومَن قدَّمَ الصلاةَ في أوَّل وقْتِها كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخَّرَها عَن أوَّل الوقت.
وقد رأينا الناس فيما وجب عليهم وفيما تَطَوَّعُوا به يُؤْمَرُون بتعجيله إذا أمْكَن، لِمَا يعرض للآدميين من الأشغال والنِّسْيان والعلل، الذي لا تَجْهَلُه العُقول.
وإن تقديم صلاة الفجر في أوَّل وقتها عن "أبي بكر" و"عمر" و"عثمان" و"علي بن أبي طالب" و"ابن مسعود" "وأبي موسى الأشْعَرِي" و"أنس بن مالك" وغَيْرِهم: مُثْبَتٌ.