فَصْلٌ:
ثُمَّ نَقُولُ: إِنَّ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ رَاجِعٌ فِي الْمَعْنَى إِلَى الْكِتَابِ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا:
أَنَّ الْعَمَلَ بِالسُّنَّةِ وَالِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى صِدْقِ الرسول صلى الله عليه وسلم الْمُعْجِزَةُ، وَقَدْ حَصَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُعْجِزَتَهُ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: "وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ" ١، هَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ كَثِيرٌ جِدًّا، بَعْضُهُ يُؤْمِنُ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ٢، وَلَكِنَّ مُعْجِزَةَ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النِّسَاءِ: ٥٩ .
وَقَالَ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه} فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
وَتَكْرَارُهُ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الطَّاعَةِ بِمَا أَتَى بِهِ مِمَّا فِي الْكِتَابِ وَمِمَّا لَيْسَ فِيهِ مِمَّا هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ، وَقَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الْحَشْرِ: ٧ .
وَقَالَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور: ٦٣ . إلى ما أشبه ذلك.
١ أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل، ٩/ ٣/ رقم ٤٩٨١، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت بجوامع الكلم"، ١٣/ ٢٤٧/ رقم ٧٢٧٤"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة، ١/ ١٣٤/ رقم ١٥٢" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
٢ جاء معنى هذا الكلام في حديث صحيح، يأتي نصه وتخريجه "٤/ ١٨٠".