وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} البقرة: ٢٨٢ .
فَإِنْ حَكَمَ بِأَهْلِ الْعَدَالَةِ؛ أَصَابَ أَصْلَ الْعَزِيمَةِ وَأُجِرَ أَجْرَيْنِ، وَإِنْ حَكَمَ بِالْأُخْرَى؛ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَهُ أَجْرٌ فِي اجْتِهَادِهِ، وَيَنْفُذُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُتَحَاكِمِينَ، كَمَا يَنْفُذُ مُقْتَضَى الرُّخْصَةِ عَلَى الْمُتَرَخِّصِينَ١، فَكَمَا لَا يُقَالُ فِي الْحَاكِمِ: إِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَالْحُكْمِ بِمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ؛ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ هُنَا: إِنَّهُ مُخَيَّرٌ مُطْلَقًا بَيْنَ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ شَرْعَ الرُّخَصِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي؟ وَقَدْ ثَبَتَتْ قَاعِدَةُ رَفْعِ الْحَرَجِ مُطْلَقًا٢ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الْحَجِّ: ٧٨ .
وَجَاءَ بَعْدَ تَقْرِيرِ الرُّخْصَةِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} الْبَقَرَةِ: ١٨٥ .
قِيلَ: كَمَا يُقَالُ: إِنَّ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ التَّنَاسُلُ وَهُوَ الْقَصْدُ الْأَوَّلُ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ اتِّخَاذِ السَّكَنِ وَنَحْوِهِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي، مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} الرُّومِ: ٢١ .
وَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} الْأَعْرَافِ: ١٨٩ .
وَأَيْضًا٣؛ فَإِنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ نَفْسِهِ عَنِ الْمُتَرَخِّصِ تسهيل وتيسير عليه، مع
١ في "ط": "المترخص".
٢ أي: بقطع النظر عن خصوص محل الرخصة، ومعنى الجواب أنه لا يلزم من ورود الآية دالة على الحكم استقلالا أن يكون مقصودا بالقصد الأول؛ فقد جاءت الآية بفائدة النكاح استقلالا وهو السكن، ومع ذلك؛ فالقصد الأول النسل، فكذا هنا. "د".
٣ عود إلى السؤال وترقّ عليه؛ أي: إنه لا يلزم من وجود رفع الحرج في الرخصة أن تكون مقصودة للشارع بالقصد الثاني لا بالأول، بدليل أنه ثبت رفع الحرج أيضا في بعض المسائل التي =