كَوْنِ الصَّوْمِ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ؛ فَهُوَ تَيْسِيرٌ أَيْضًا وَرَفْعُ حَرَجٍ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ فِي الْكُلِّيَّاتِ؛ فَلَا تَجِدُ كُلِّيَّةً شَرْعِيَّةً مُكَلَّفًا بِهَا وَفِيهَا حَرَجٌ كُلِّيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الْحَجِّ: ٧٨ .
وَنَحْنُ نَجِدُ فِي بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ النَّوَادِرِ حَرَجًا وَمَشَقَّةً، وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ رُخْصَةً تَعْرِيفًا بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ إِنَّمَا هُوَ مُنْصَرِفٌ إِلَى الْكُلِّيَّاتِ؛ فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي مَحَالِّ الرُّخَصِ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِكُلِّيَّاتٍ، وَإِنَّمَا هِيَ جُزْئِيَّاتٌ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَخْذِ بِالْعَزِيمَةِ أَوِ الرُّخْصَةِ.
فَإِذًا الْعَزِيمَةُ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ كُلِّيَّةً هِيَ مَقْصُودَةٌ لِلشَّارِعِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَالْحَرَجُ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْئِيٌّ عَارِضٌ لِتِلْكَ الْكُلِّيَّةِ، إِنْ قَصَدَهُ الشَّارِعُ بِالرُّخْصَةِ؛ فَمِنْ جِهَةِ الْقَصْدِ الثَّانِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
إِذَا اعْتَبَرَنَا الْعَزَائِمَ من الرُّخَصِ؛ وَجَدْنَا الْعَزَائِمَ مُطَّرِدَةً مَعَ الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ، وَالرُّخَصُ جَارِيَةٌ عِنْدَ انْخِرَاقِ تِلْكَ الْعَوَائِدِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ:
فَظَاهِرٌ، فَإِنَّا وَجَدْنَا الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى تمامها في أوقاتها،
= فيها الرخصة والسهولة -في نفس أصل عزيمتها؛ كصيام أيام معدودات، ولم تكن شهورا مثلا- ففي أصل العزيمة هنا أيضا تيسير ورفع حرج، وهي مقصودة بالقصد الأول؛ فلا يلزم من حصول رفع الحرج في الرخصة أن تكون بالقصد الثاني، ثم ترقى عليه ثانيا قال: "وأيضا ... إلخ"؛ أي: إن رفع الحرج موجود في سائر الكليات التي هي عزائم، ومحل الجواب عن الجميع قوله: "فإذا العزيمة ... إلخ"؛ فهو يحسم الاعتراض الأول أيضا، وقوله: "ونحن نجد في بعض ... إلخ" تمهيد للجواب, ولا يخفى أن كلا من هذين الترقيين تفصيل لما دخل تحت الإطلاق في أصل الإشكال؛ فالترقي من جهة تعيين مكان الاعتراض بعد إجماله. "د".