كما أن الأعمال الصغيرة قد تأخذ شهرة أكثر من الكبيرة من حيث الإتقان والجمال، ولهذا تجد العمل اليدوي في مجالات كثيرة لا يزال ذا قيمة أكبر في المجتمعات وفي أثمان السلع. كما أن المشروعات الكبيرة - في أغلبيتها – تأخذ شكل شركات مساهمة قد يسهم فيها مئات بل آلاف ومن ثم يتوزع رأس المال ولا يتكدس (١). وفوق ذلك كله يقال لهم إن الله تعالى – وإن لم يؤمنوا به – هو الذي قسم الأرزاق أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف:٣٢، ولهذا تجد أن الفقير والغني كلاهما يأكلان من فضل الله وصدق المتنبي حيث قال:
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى ... هلكن إذا من جهلهن البهائم
هل كان ماركس يهدف إلى الرحمة بالفقراء؟ كلا. إنما يهدف إلى تطبيق مبدئه الجهنمي في إثارة الأحقاد والصراع الطبقي والانتقام المتبادل بين فئات الناس والفتك ببعضهم بعضا.
خداع الاشتراكيين في زعمهم أن الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلاميتظاهر كثير من المخادعين الاشتراكيين بأنهم إنما يؤيدون الاشتراكية لأنها تحمل الرحمة للفقراء وكبت الأغنياء ولأنها فوق كل اعتبار لا تتعارض مع الإسلام ولا مع الأديان ولذلك فهي تلتقي مع الإسلام في مبادئ كثيرة "مثل اشتراك الناس في الماء العام وفي الهواء وفي الكلأ النابت في الأراضي العامة ويسمى الكلأ المباح عند الفقهاء ومثل النفقة الواجبة في نظام الأسرة الإسلامي ومثل الزكاة المفروضة في الشريعة الإسلامية لصالح الفقراء والمساكين وبقية الأصناف الثمانية المذكورة في آية الزكاة إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التوبة:٦٠، ومثل تدخل الدولة لحماية العمال والكادحين في حصولهم على الأجور العادلة دون ظلم ولا شطط ومثل تهيئة فرص العمل لكل قادر عليه ونحو ذلك " (٢).
ونقول بأنه وبغض النظر عن صحة هذه الدعاوى أو كذبها فإن مجرد التوافق في التسمية لا يكون توافقا في الحقيقة وإلا لكانت كل الاختلافات لا قيمة لها لأنه ما من مختلفين في قضية من القضايا إلا وتجد بينهم توافقا ما. فإقرار الإسلام لتلك الأمور هو غير إقرار الاشتراكية لها وترتيبه لها غير ترتيب الاشتراكية لها ومفهومه غير مفهوم الاشتراكية واشتراك الناس في تلك الأمور في الإسلام هو اشتراك مودة ورحمة وإخاء وتسامح بينما هو في الاشتراكية حق واحد للسبع الكبير – الدولة – تأخذ منها شبعها ثم تسمح بالباقي للآخرين في مقابل " من لم يحترف لم يعتلف " وفوق كل ما تقدم نقول لمخادعي الاشتراكية من أين جاء مصدر الإسلام ومن أين جاء مصدر الاشتراكية وهل يلتقي التشريع الإلهي والتشريع البشري على حد سواء.
إن الإسلام لا يعترف بأي نظام جاهلي وضعي فكيف يقال إنه يعضده ويوافقه سواء أكان اشتراكيا أو رأسماليا أو شيوعيا إنه من الكذب والافتراء الفاحش القول بتوافق الإسلام مع هذه الأنظمة الجاهلية وغيرها.
(١) ((حركات ومذاهب في تاريخ الإسلام)) (ص ٤٣).
(٢) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص ١٤٢).