ويقول - جلت قدرته -: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ النحل:٧١. ويقول: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الزخرف:٣٢ - ٣٥ (١).وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي: دلت هذه الآيات الكريمة المذكورة هنا كقوله - تعالى – نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ الزخرف:٣٢ وقوله: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ النحل:٧٤، ونحو ذلك من الآيات - على أن تفاوت الناس في الأرزاق والحظوظ سُنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها ولا تحويلها بوجه من الوجوه، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً فاطر:٤٣ (٢).
قال: وبذلك تحقق أن ما يتذرع به الآن الملاحدة المنكرون لوجود الله ولجميع النبوات، والرسائل السماوية إلى ابتزاز ثروات الناس ونزع ملكهم الخاص عن أملاكهم بدعوى المساواة بين الناس في معايشهم - أمر باطل، لا يمكن بحال من الأحوال.
مع أنهم لا يقصدون ذلك الذي يزعمون، وإنما يقصدون استئثارهم بأملاك جميع الناس؛ ليتمتعوا بها ويتصرفوا فيها كيف شاؤوا تحت ستار كثير من أنواع الكذب والغرور والخداع، كما يتحققه كل عاقل مطلع على سيرتهم، وأحوالهم مع المجتمع في بلادهم.
فالطغمة القليلة الحاكمة ومن ينضم إليها هم المتمتعون بجميع خيرات البلاد، وغيرهم من عامة الشعب محرومون من كل خير مظلومون في كل شيء، حتى ما كسبوه بأيدهم يعلفون ببطاقة كما تعلف الحمير. وقد عَلِم الله - جل وعلا - في سابق علمه أنه يأتي ناس يغتصبون أموال الناس بدعوى أن هذا فقير، وهذا غني، وقد نهى - جل وعلا - عن اتباع الهوى بتلك الدعوى، وأَوْعَدَ من لم ينته عن ذلك بقوله - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً النساء:١٣٥ (٣).
٤ - أن الأمور المدركة لا تحصر بالمادة وحدها: فالملاحدة لما آمنوا بالمادة وحدها حصروا الأمور المدركة في دائرة ضيقة؛ فما أدركوه في حواسهم وتجاربهم أثبتوه، وما لم يدركوه نفوه وأنكروه.
ومن أجل ذلك أنكروا علوم الغيب، وما جاءت به الرسل، وما أنزلت به الكتب.
(١) (٤٩٦) انظر: ((كواشف زيوف)) (٥١١ - ٥١٥).
(٢) (٤٩٧) ((التطور والدين)) (ص١٣).
(٣) (٤٩٨) انظر ((كواشف زيوف)) (٥٦٩ - ٥٧٨).