وهذا الزعم باطل، شرعاً، وعقلاً، وتجربة؛ ذلك أن الأمور المدركة لا تقتصر على ما أثبته الحس؛ فهناك مدارك أخرى؛ فهناك الأخبار الصادقة، وأعلاها وأحقها خبر الله ورسله؛ ففي ذلك تبيان لكل شيء.
وإذا نسبت العلوم المدركة بالحس إلى ما جاءت به الرسل من العلوم - كانت كقطرة في بحر لجي.
ثم إن هناك أشياء يؤمن بها الناس وإن لم يشاهدوها كالروح مثلاً؛ فهي لا ترى ومع ذلك لو خرجت لأصبح الإنسان جماداً؛ فهل ينكر الروح أحد بحجة أنها لا تدخل في المحسوس؟
وكذلك الكهرباء؛ فهل شاهدها أحد؛ إنما يشاهد الناس أثرها، أتكون الكهرباء أيسر أن نؤمن بها وأقرب إلى أن نصدق بها من أن نؤمن بالله الذي أبدعها ضمن ما أبدع من أسرار هذا الكون؟ ثم إن الملاحدة ينقضون مبدأهم في حصر الإدراك بالمحسوس، والتجربة؛ فهم يثبتون تجارب ونظريات ثم تحصل تجارب ونظريات أخرى لهم تنفي ما أثبتوه، وتثبت ما نفوه (١).
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ضمن ردوده على الملاحدة: أن يقال لهؤلاء الملحدين المنكرين لأمور الغيب التي أخبر بها الله ورسوله: لم أنكرتموها؟ فيجيبون بأنها لم تدخل تحت علومنا التي بنيناها على إدراكات الحواس والتجارب، فيقال لهم: قدروا أنها لم تدخل في ذلك؛ فإن طرق العلم اليقينية كثيرة، وأكثرها لا تدخل تحت إدراكاتكم؛ فإن إدراكاتكم قاصرة حتى باعترافكم فإنكم تعترفون أن مدركاتكم خاصة ببعض المواد الأرضية وأسبابها وعللها، ومع ذلك لم تدركوها كلها باعترافكم وأعمالكم؛ فإنكم لا تزالون تبحثون وتعملون التجارب التي تنجح مرة، وتخفق مرات؛ فإذا كانت هذه حالكم في الأسباب والمواد الأرضية التي يشترك بنو آدم في إدراكها، ويفترقون في مقدار الإدراك - فكيف تنفون بقية العوالم عوالم السماوات وعوالم الغيب؟ وما هو أعظم من ذلك من أوصاف الرب وعظمته، وأنتم لم يتصل شيء من علومكم بذلك؟ فإن هذا النفي باطل بإجماع العقلاء، وإنما هذا مكابرة (٢).
٥ - كثرة التناقض: فالتناقض عند الشيوعيين لا يكاد يحصر وذلك أمر لا بد منه؛ فالمبدأ باطل من أساسه؛ فلابد من التناقض؛ فإذا تهاوى الأساس تداعت الأركان. فالحق يشبه بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض، أما الباطل فيتناقض، ويهدم بعضه بعضاً، وتجد أهله متناقضين مختلفين، بل تجد الواحد منهم متناقضاً مع نفسه، متهافتاً في أقواله (٣).
ومن الأمثلة على تناقضهم دعواهم محاربة الدين، وقولهم: إن الدين أفيون الشعوب.
ومع ذلك فإن روسيا أول من اعترف بدولة دينية تحكمها التوراة المحرفة، وقامت على أساس ديني، وهي دولة إسرائيل.
كذلك لما اشتد ضغط هتلر على روسيا إبان الحرب العالمية الثانية دعا ستالين إلى فتح المساجد والمعابد للصلاة، والعبادة فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ العنكبوت:٦٥.
ومن أمثلة تناقضهم قولهم بالحتميات، وأن الأشياء تتطور ثم تزول سواء كانت فكرة أو مبدأ، أو غير ذلك.
وفي الوقت نفسه يزعمون بأن الشيوعية هي نهاية المطاف والفردوس المنتظر.
فإذا كانوا يقولون بالحتميات فإن الشيوعية داخلة فيما يقولون؛ لأنها مبدأ وفكرة، ومصيرها الحتمي الزوال، وهو ما حدث بالفعل؛ فأين الفردوس المنتظر؟
(١) (٤٩٩) بتصرف عن ((مذاهب فكرية معاصرة)) (ص٣١٤).
(٢) انظر ((الشيوعية)) للعقاد (٢٠ - ٢٥)، و ((الشيوعية وموقف القرآن)) (ص١٣٨).
(٣) انظر ((الكيد الأحمر)) (١٤ - ١٨).