رسل فَفِي تِلْكَ الْآيَة بعض مَا فِي هَذِه الْآيَة وَفِي هَذِه الْآيَة كل مَا فِي تِلْكَ وَزِيَادَة فَفرض قبُول كل ذَلِك كَمَا أَن الله عز وَجل إِذْ ذكر فِي كهيعص من ذكر من النَّبِيين فَقَالَ {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين} وَقد قَالَ تَعَالَى {ورسلا قد قصصناهم عَلَيْك من قبل ورسلا لم نقصصهم عَلَيْك} أفترى الرُّسُل الَّذين لم يقصصهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ جملَة أَو فِي هَذِه السُّورَة خَاصَّة لم ينعم عَلَيْهِم معَاذ الله من هَذَا فَمَا يَقُوله مُسلم وَالْوَجْه الثَّانِي من أوجه الْفضل هُوَ تفاضل العاملين بتفاضل مَنَازِلهمْ فِي أَعمال الطَّاعَة والعصمة من الْمعاصِي والدنيات وَقد نَص الله تَعَالَى على أَن الْمَلَائِكَة لَا يفترون من الطَّاعَة وَلَا يسأمون مِنْهَا وَلَا يعصون الْبَتَّةَ فِي شَيْء أمروا بِهِ فقد صَحَّ أَن الله عز وَجل عصمهم من الطبائع النَّاقِصَة الداعية إِلَى الفتور والكسل كالطعام والتغوط وشهوة الْجِمَاع وَالنَّوْم فصح يَقِينا أَنهم أفضل من الرُّسُل الَّذين لم يعصموا من الفتور والكسل ودواعيهما
قَالَ أَبُو مُحَمَّد احْتج بعض الْمُخَالفين فِي هَذَا بِأَن قَالَ قَالَ الله عز وَجل {إِن الله اصْطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على الْعَالمين} قَالُوا فَدخل فِي الْعَالمين الْمَلَائِكَة وَغَيرهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه الْآيَة قد صَحَّ الْبُرْهَان بِأَنَّهَا لَيست على عمومها لِأَنَّهُ تَعَالَى لم يذكر فِيهَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا خلاف فِي أَنه أفضل النَّاس قَالَ الله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} فَإِن قَالَ أَن آل إِبْرَاهِيم هم آل مُحَمَّد قيل لَهُ فَنحْن إِذا أفضل من جَمِيع الْأَنْبِيَاء حاشا آل عمرَان وآدَم ونوحا فَقَط وَهَذَا لَا يَقُوله مُسلم فصح يَقِينا أَن هَذِه الْآيَة لَيست على عمومها فَإِذا لَا شكّ فِي ذَلِك فقد صَحَّ أَن الله عز وَجل إِنَّمَا أَرَادَ بهَا عالمي زمانهم من النَّاس لَا من الرُّسُل وَلَا من النَّبِيين نعم وَلَا من عالمي غير زمانهم لأننا بِلَا شكّ أفضل من آل عمرَان فَبَطل تعلقهم بِهَذِهِ الْآيَة جملَة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَصَحَّ أَنَّهَا مثل قَوْله تَعَالَى {يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وَإِنِّي فضلتكم على الْعَالمين} وَلَا شكّ فِي أَنهم لم يفضلوا على الرُّسُل وَلَا على النَّبِيين وَلَا على أمتنَا وَلَا على الصَّالِحين من غَيرهم فَكيف على الْمَلَائِكَة وَنحن لَا ننكر إِزَالَة النَّص عَن ظَاهره وعمومه ببرهان من نَص آخر أَو إِجْمَاع مُتَيَقن أَو ضَرُورَة حس وَإِنَّمَا ننكر ونمنع من إِزَالَة النَّص عَن ظَاهره وعمومه بِالدَّعْوَى فَهَذَا هُوَ الْبَاطِل الَّذِي لَا يحل فِي دين وَلَا يَصح فِي إِمْكَان الْعقل وَبِاللَّهِ تعلى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَذكر بَعضهم قَول الله عز وَجل {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا مِمَّا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ أصلا لِأَن هَذِه الصّفة تعم كل مُؤمن صَالح من الْإِنْس وَمن الْجِنّ نعم وَجَمِيع الْمَلَائِكَة عُمُوما مستويا فَإِنَّمَا هَذِه لآيَة تَفْضِيل الْمَلَائِكَة وَالصَّالِحِينَ من الْإِنْس وَالْجِنّ على سَائِر الْبَريَّة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَاحْتَجُّوا بِأَمْر الله عز وَجل الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم على جَمِيعهم السَّلَام
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا أعظم حجَّة عَلَيْهِم لِأَن السُّجُود الْمَأْمُور بِهِ لَا يَخْلُو من أَن يكون سُجُود عبَادَة وَهَذَا كفر مِمَّن قَالَه وَلَا يجوز أَن يكون الله عز وَجل يَأْمر أحدا من خلقه بِعبَادة غَيره وَإِمَّا ان يكون سُجُود تَحِيَّة وكرامة وَهُوَ كَذَلِك بِلَا خلاف من أحد من النَّاس فَإذْ هُوَ كَذَلِك فَلَا دَلِيل أدل على فضل الْمَلَائِكَة على آدم من أَن يكون الله تَعَالَى بلغ الْغَايَة فِي إعظامه وكرامته بَان تحييه الْمَلَائِكَة لأَنهم لَو كَانُوا دونه لم يكن لَهُ كَرَامَة وَلَا مزية فِي تحيتهم لَهُ وَقد أخبر الله عز وَجل عَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش وخروا لَهُ سجدا وَقَالَ يَا أَبَت هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ من قبل قد جعلهَا رَبِّي حَقًا} وَكَانَت رُؤْيَاهُ هِيَ الَّتِي ذكر الله عز وَجل عَنهُ إِذْ يَقُول