أَيْضا بِأَن الْمَلَائِكَة لم يعلمُوا أَسمَاء الْأَشْيَاء حَتَّى أنبأهم بهَا آدم على جَمِيعهم السَّلَام بتعليم الله عز وَجل آدم إِيَّاهَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الله عز وَجل يعلم من هُوَ أنقص فضلا وعلما فِي الْجُمْلَة أَشْيَاء لَا يعلمهَا من هُوَ أفضل مِنْهُ وَأعلم مِنْهُ بِمَا عدا تِلْكَ الْأَشْيَاء فَعلم الْمَلَائِكَة مَالا يُعلمهُ آدم وَعلم آدم أَسمَاء الْأَشْيَاء ثمَّ أمره بِأَن يعلمهَا الْمَلَائِكَة كَمَا خص الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام بِعلم لم يُعلمهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى اتبعهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ليتعلم مِنْهُ وَعلم أَيْضا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام علوما لم يعلمهَا الْخضر وَهَكَذَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْخضر قَالَ لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنِّي على علم من علم الله لَا تعلمه أَنْت وَأَنت على علم من علم الله لَا أعلمهُ أَنا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَيْسَ فِي هَذَا أَن الْخضر أفضل من مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد قَالَ بعض الْجُهَّال أَن الله تَعَالَى جعل الْمَلَائِكَة خدام أهل الْجنَّة يأتونهم بالتحف من عِنْد رَبهم عز وَجل قَالَ تَعَالَى {وتتلقاهم الْمَلَائِكَة هَذَا يومكم الَّذِي كُنْتُم توعدون} وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد أما خدمَة الْمَلَائِكَة لأهل الْجنَّة وإقبالهم إِلَيْهِم بالتحف فشيء مَا علمناه قطّ وَلَا سمعناه إِلَّا من الْقصاص بالخرافات والتكاذيب وَإِنَّمَا الْحق من ذَلِك مَا ذكره الله عز وَجل فِي النَّص الَّذِي أوردنا وَهُوَ وَللَّه الْحَمد من أقوى الْحجَج فِي فضل الْمَلَائِكَة على من سواهُم وَيلْزم هَذَا المحتج اذا كَانَ إقبال الْمَلَائِكَة بالبشارات إِلَى أهل الْجنَّة دَلِيلا على فضل مِنْهُم وَهَذَا كفر مُجَرّد وَلَكِن حَقِيقَة هِيَ أَن الْفضل إِذا كَانَ للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام على النَّاس بِأَنَّهُم رسل الله اليهم ووسائط بَين رَبهم تَعَالَى وَبينهمْ فالفضل وَاجِب للْمَلَائكَة على الْأَنْبِيَاء وَالرسل لكَوْنهم رسل الله تَعَالَى إِلَيْهِم ووسائط بَينهم وَبَين رَبهم تَعَالَى وَأما تفضل الله تَعَالَى على أهل الْجنَّة بِالْأَكْلِ وَالشرب وَالْجِمَاع واللباس والآلات والقصور فَإِنَّمَا فَضلهمْ الله عز وَجل من ذَلِك بِمَا يُوَافق طباعهم وَقد نزه الله سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَة عَن هَذِه الطبائع المستدعية لهَذِهِ اللَّذَّات بل أبانهم وفضلهم بل جعل طبائعهم لَا تلتذ بِشَيْء من ذَلِك إِلَّا بِذكر الله عز وَجل وعبادته وطاعته فِي تَنْفِيذ أوامره تَعَالَى فَلَا منزلَة أَعلَى من هَذِه وَعجل لَهُم سُكْنى الْمحل الرفيع الَّذِي جعل تَعَالَى غَايَة إكرامنا الْوُصُول إِلَيْهِ بعد لِقَاء الْأَمريْنِ فِي التَّعَب فِي عمَارَة هَذِه الدُّنْيَا النكدة وَفِي كلف الْأَعْمَال فَفِي ذَلِك الْمَكَان خلق الله عز وَجل الْمَلَائِكَة مُنْذُ ابتدائهم وَفِيه خلدهم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَالَ بعض السخفاء أَن الْمَلَائِكَة بِمَنْزِلَة الْهَوَاء والرياح
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كذب وقحة وجنون لِأَن الْمَلَائِكَة بِنَصّ الْقُرْآن وَالسّنَن وَإِجْمَاع جَمِيع من يقر بِالْمَلَائِكَةِ من أهل الْأَدْيَان الْمُخْتَلفَة عقلا متعبدون منهيون مأمورون وَلَيْسَ كَذَلِك الْهَوَاء والرياح لَكِنَّهَا لَا تعقل وَلَا هِيَ متكلفة متعبدة بل هِيَ مسخرة مصرفة لَا اخْتِيَار لَهَا قَالَ تَعَالَى {والسحاب المسخر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض} وَقَالَ تَعَالَى {سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام} وَذكر تَعَالَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ {بل عباد مكرمون لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا لقد استكبروا فِي أنفسهم وعتوا عتواً كَبِيرا يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين} فقرن تَعَالَى نزُول الْمَلَائِكَة بِرُؤْيَتِهِ تَعَالَى وَقرن تَعَالَى إِتْيَانه بإتيان الْمَلَائِكَة فَقَالَ عز وَجل {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة} وَاعْلَم أَن إِعْرَاب الْمَلَائِكَة هَاهُنَا بِالرَّفْع عطفا على الله عز وَجل لَا على الْغَمَام وَنَصّ تَعَالَى على أَن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا أكل من الشَّجَرَة ليَكُون ملكا أَو ليخلد كَمَا نَص تَعَالَى علينا إِذْ يَقُول عز وَجل {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فبيقين نَدْرِي أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لَوْلَا يقينه بِأَن الْمَلَائِكَة أفضل مِنْهُ وطمعه بِأَن يصير ملكا لما قبل