لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق انفضل عنْدكُمْ قدرَة الله تَعَالَى على قسْمَة الْجَبَل على قدرته على قسْمَة الخردلة وَهل تأتى حَال يكون الله فِيهَا قَادِرًا على قسْمَة أَجزَاء الْجَبَل غير قَادر على قسْمَة أَجزَاء الخردلة أم لَا فَإِن قَالُوا بل قدرَة الله تَعَالَى على قسْمَة الْجَبَل أتم من قدرته على قسْمَة الخردلة وأقروا بِأَنَّهُ تأتى حَال يكون الله تَعَالَى فِيهَا قَادِرًا على قسْمَة أَجزَاء الْجَبَل غير قَادر على قسْمَة أَجزَاء الخردلة كفرُوا وعجزوا رَبهم وَجعلُوا قدرته محدثة متفاضلة متناهية وَهَذَا كفر مُجَرّد وَأَن أَبُو من هَذَا وَقَالُوا إِن قدرَة الله تَعَالَى على قسْمَة الْجَبَل والخردلة سَوَاء وَأَنه لَا سَبِيل إِلَى وجود حَال يقدر الله تَعَالَى فِيهَا على تجزئة أَجزَاء الْجَبَل وَلَا يقدر على تجزئة أَجزَاء الْجَبَل وَلَا يقدر على تجزئة أَجزَاء الخردلة صدقُوا وَرَجَعُوا إِلَى قَوْلنَا الَّذِي هُوَ الْحق وَمَا عداهُ ضلال وباطل وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
والاعتراض الْخَامِس هُوَ أَن قَالُوا هَل لأجزاء الخردلة كل أم لَيْسَ لَهَا كل وَهل يعلم الله عدد أَجْزَائِهَا أم لَا يُعلمهُ
فَإِن قُلْتُمْ لَا كل لَهَا نفيتم النِّهَايَة عَن الْمَخْلُوقَات والموجودات وَهَذَا كفر وَإِن قُلْتُمْ أَن الله تَعَالَى لَا يعلم عدد أَجْزَائِهَا كَفرْتُمْ وَإِن قُلْتُمْ أَن لَهَا كلا وَإِن الله تَعَالَى يعلم أعداد أَجْزَائِهَا أقررتم بالجزء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا تمويه لائح يَنْبَغِي التَّنْبِيه عَلَيْهِ لِئَلَّا يجوز على أهل الْغَفْلَة وَهُوَ أَنهم أقحموا لَفْظَة كل حَيْثُ لَا يُوجد كل وسألوا هَل يعلم الله تَعَالَى عدد مالاعدد لَهُ وهم فِي ذَلِك كمن سَأَلَ هَل يعلم الله تَعَالَى عدد شعر لحية الأحلس أم لاأو وَهل يعلم جَمِيع أَوْلَاد الْعَقِيم أم لَا وَهل كل حركات أهل الْجنَّة وَالنَّار أم لَا فَهَذِهِ السؤالات كسؤالهم وَلَا فرق
وجوابنا فِي ذَلِك كُله أَن الله عز وَجل إِنَّمَا يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ لَا على خلاف مَا هِيَ عَلَيْهِ لِأَن من علم الشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ فقد علمه حَقًا وَأما من علم الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلم يُعلمهُ بل جَهله وحاشا لله من هَذِه الصّفة فَمَا لَا كل لَهُ وَلَا عدد لَهُ فَإِنَّمَا يُعلمهُ الله عز وَجل أَن لَا عدد لَهُ وَلَا كل وَمَا علم الله عز وَجل قطّ عددا وَلَا كلا إِلَّا لما لَهُ عدد وكل لَا لما عدد لَهُ وَلَا كل وَكَذَلِكَ لم يعلم الله عز وَجل قد عدد شعر لحية الأطلس وَلَا علم قطّ ولد الْعَقِيم فَكيف أَن يعرف لَهُم كلا وَكَذَلِكَ لم يعلم الله عز وَجل قطّ عدد أَجزَاء الْجَبَل وَلَا الخردلة قبل أَن يجزأ لِأَنَّهُمَا لَا جُزْء لَهما قبل التجزئة وَإِنَّمَا علمهما غير متجزئين وعلمهما محتملين للتجزيء فَإِذا جزئا علمهما حِينَئِذٍ متجزئين وَعلم حِينَئِذٍ عدد أجزائهما وَلم يزل تَعَالَى يعلم أَنه يجزء كل مَا لَا يتجزء وَلم يزل يعلم عدد الْأَجْزَاء الَّتِي لَا تخرج فِي المستأنف إِلَى حد الْفِعْل وَلم يزل يعلم عدد مَا يخرج من الْأَشْخَاص بخلقه فِي الْأَبَد إِلَى حد الْفِعْل أَو لم يزل يعلم أَنه لَا أشخاص زَائِدَة على ذَلِك وَلَا أَجزَاء لما لم يَنْقَسِم بعد وَكَذَلِكَ لَيْسَ للخردلة وَلَا للجبل قبل التجزيء أَجزَاء أصلا وَإِذ ذَلِك كَذَلِك فَلَا كل هَا هُنَا وَلَا بعض فَهَذَا بطلَان سُؤَالهمْ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ نعكس عَلَيْهِم هَذَا السُّؤَال فَنَقُول لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أخبرونا عَن الشَّخْص الْفَرد من خردلة أَو وبرة أَو شَعْرَة أَو غير ذَلِك إِذا جزأنا كل ذَلِك جزئين أَو أَكثر مَتى حدثت الْأَجْزَاء أحين جزئت أم قبل أَن يجزأ فَإِن قَالُوا قبل أَن يجزأ ناقضوا أسمج مناقضة لأَنهم أقرُّوا بحدوث أَجزَاء كَانَت قبل حدوثها وَهَذَا سخف وَأَن قَالُوا إِنَّمَا حدثت لَهَا الْأَجْزَاء حِين جزئت لَا قبل ذَلِك سألناهم مَتى علمهَا الله تَعَالَى متجزئة حِين حدث فِيهَا التجزيء أم قبل أَن يحدث فِيهَا التجزيء فَإِن قَالُوا بل حِين حدث فِيهَا التجزيء صدقُوا وأبطلوا قَوْلهم فِي أَجزَاء الخردلة وَإِن قَالُوا بل علم أَنَّهَا منجزئة وَأَن لَهَا أَجزَاء قبل حُدُوث التجزيء فِيهَا جهلوا رَبهم تَعَالَى إِذا أحبروا أَنه يعلم الشَّيْء بِخِلَاف مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيعلم أَجزَاء لما لَا أَجزَاء لَهُ وَهَذَا ضلال وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد هَذَا كل مَا موهوا بِهِ لم نَدع لَهُم مِنْهُ شَيْئا إِلَّا وَقد أوردناه وَبينا أَنه كُله لَا حجَّة لَهُم فِي شَيْء مِنْهُ وَأَنه كُله عَائِد عَلَيْهِم وَحجَّة لنا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ نبتدئ بحول الله تَعَالَى وقوته بإيراد الْبَرَاهِين الضرورية على أَن كل جسم فِي الْعَالم فَإِنَّهُ متجزؤ مُحْتَمل للتجزئة وكل جُزْء من جسم فَهُوَ أَيْضا جسم مُحْتَمل