. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
وَلَهَثَ كَمَنَعَ لَهْثًا وَلُهَاثًا بِالضَّمِّ: أَخْرَجَ لِسَانَهُ عَطَشًا وَتَعَبًا أَوْ إعْيَاءً كَالْتَهَثَ وَاللُّهْثَةُ بِالضَّمِّ: التَّعَبُ وَالْعَطَشُ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (الثَّرَى) هُوَ التُّرَابُ النَّدِيُّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ) الرَّطْبُ فِي الْأَصْلِ ضِدُّ الْيَابِسِ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا الْحَيَاةُ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي الْبَدَنِ تُلَازِمُهَا، وَكَذَلِكَ الْحَرَارَةُ فِي الْأَصْلِ ضِدُّ الْبُرُودَةِ، وَأُرِيدَ بِهَا هُنَا الْحَيَاةُ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ تُلَازِمُهَا. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ عَلَى مَالِكِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُدَّعَى.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَلَيْسَ فِيهِمَا إلَّا وُجُوبُ إنْفَاقِ الْحَيَوَانِ الْمَحْبُوسِ عَلَى حَابِسِهِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَالِكَ الْحَيَوَانِ حَابِسٌ لَهُ فِي مِلْكِهِ، فَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى كُلِّ مَالِكٍ لِذَلِكَ مَا دَامَ حَابِسًا لَهُ لَا إذَا سَيَّبَهُ، فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ " كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَلَكِنْ لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْيِيبِ إلَّا إذَا كَانَ فِي مَكَان مُعْشِبٍ يَتَمَكَّنُ الْحَيَوَانُ فِيهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّانِي فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْمُحْسِنَ إلَى الْحَيَوَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الشَّرَابِ - وَيَلْحَقُ بِهِ الطَّعَامُ - مَأْجُورٌ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْوُجُوبِ.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْأَجْرِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْمَنْدُوبِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْوُجُوبُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِحْسَانَ إلَى الْحَيَوَانِ الْمَمْلُوكِ أَوْلَى مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْإِحْسَانَ إلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مُوجِبٌ لِلْأَجْرِ وَفَحْوَى الْخِطَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ أَوْلَى بِالْإِحْسَانِ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا عَنْ مَنَافِعِ نَفْسِهِ بِمَنَافِعِ مَالِكِهِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمُحْسِنَ إلَيْهِ أَوْلَى بِالْأَجْرِ مِنْ الْمُحْسِنِ إلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ فَلَا، فَأَوْلَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ إنْفَاقِ الْحَيَوَانِ الْمَمْلُوكِ حَدِيثُ الْهِرَّةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِي دُخُولِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ النَّارِ لَيْسَ مُجَرَّدُ ذَلِكَ الْإِنْفَاقِ، بَلْ مَجْمُوعُ التَّرْكِ وَالْحَبْسِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي مِثْلِ الْهِرَّةِ، فَثُبُوتُهُ فِي مِثْلِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُمْلَكُ أَوْلَى لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَحْبُوسَةٌ مَشْغُولَةٌ
بِمَصَالِحِ
الْمَالِكِ.
وَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ مَالِكَ الْبَهِيمَةِ إذَا تَمَرَّدَ عَنْ عَلَفِهَا أَوْ بَيْعِهَا أَوْ تَسْيِيبِهَا أُجْبِرَ كَمَا يُجْبَرُ مَالِكُ الْعَبْدِ بِجَامِعِ كَوْنِ كُلِّ مِنْهُمَا مَمْلُوكًا ذَا كَبِدٍ رَطْبَةٍ، مَشْغُولًا
بِمَصَالِحِ
مَالِكِهِ مَحْبُوسًا عَنْ مَصَالِحِ نَفْسِهِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ مَالِكَ الدَّابَّةِ يُؤْمَرُ بِأَحَدِ تِلْكَ الْأُمُورِ اسْتِصْلَاحًا لَا حَتْمًا، قَالُوا: إذْ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقٌّ وَلَا خُصُومَةٌ وَلَا يُنْصَبُ عَنْهَا فَهِيَ كَالشَّجَرَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا ذَاتُ رُوحٍ مُحْتَرَمٍ فَيَجِبُ حِفْظُهُ كَالْآدَمِيِّ، وَأَمَّا الشَّجَرُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِهِ إجْمَاعًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِذِي رُوحٍ فَافْتَرَقَا، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هِيَ فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي دَمُهُ مُحْتَرَمٌ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الَّذِي يَحِلُّ أَكْلُهُ فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ تِلْكَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الذَّبْحِ.
قَوْلُهُ: (قَدْ لُطْتهَا) بِضَمِّ