بَابُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَعَلَ مَا يَغْتَرِفُ مِنْهُ الْمُتَوَضِّئُ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ مُسْتَعْمَلًا
٨ - (عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ
ــ
نيل الأوطار
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ: رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ وَأَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا نَحْوَهُ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا كَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لَا يُنَافِي مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ وَضُوئِهِ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى شَيْءٍ بِصِيغَةٍ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ الْوُقُوعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهَا لِحَصْرٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَلَا نَفْيٍ لِمَا عَدَاهُ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوعِ غَيْرِهِ. وَالْأَوْلَى الِاحْتِجَاجُ بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جَارِيَةَ بِلَفْظِ «خُذْ لِلرَّأْسِ مَاءً جَدِيدًا»
فَإِنْ صَحَّ هَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ لِلرَّأْسِ مَاءٌ جَدِيدٌ وَلَا يُجْزِي مَسْحُهُ بِفَضْلِ مَاءِ الْيَدَيْنِ، وَيَكُونُ الْمَسْحُ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الْيَدَيْنِ إنْ صَحَّ حَدِيثُ الْبَابِ مُخْتَصًّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِالْأُمَّةِ، بَلْ يَكُونُ مُخْتَصًّا بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأُمَّةِ أَمْرًا خَاصًّا بِهِمْ أَخَصَّ مِنْ أَدِلَّةِ التَّأَسِّي الْقَاضِيَةِ بِاتِّبَاعِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ، وَلَا يَجِبُ التَّأَسِّي بِهِ فِي هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي وَرَدَ أَمْرُ الْأُمَّةِ بِخِلَافِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُلْحِقُ بِهِ غَيْرَهُ، إمَّا بِالْقِيَاسِ أَوْ بِحَدِيثِ: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ كَحُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدِيثًا مُعْتَبَرًا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَقَدْ شَهِدَ لِمَعْنَاهُ حَدِيثُ: «إنَّمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ» وَنَحْوُهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ مَا لَفْظُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ بَلَلِ يَدَيْهِ، فَلَيْسَ يَدُلُّ عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ كُلَّمَا تَنَقَّلَ فِي مَحَالِّ التَّطْهِيرِ مِنْ غَيْرِ مُفَارَقَةٍ إلَى غَيْرِهَا فَعَمَلُهُ وَتَطْهِيرُهُ بَاقٍ، وَلِهَذَا لَا يَقْطَعُ عَمَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ تَغَيُّرُهُ بِالنَّجَاسَاتِ وَالطَّهَارَاتِ انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا هُوَ الْحَقُّ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. .