فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ) .
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ
ــ
نيل الأوطار
بَابُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَعَلَ مَا يَغْتَرِفُ مِنْهُ الْمُتَوَضِّئُ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ مُسْتَعْمَلًا
قَوْلُهُ: (فَأَكْفَأَ مِنْهُ) أَيْ أَمَالَ وَصَبَّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمِ أَكْفَأَ مِنْهَا أَيْ الْمِطْهَرَةِ أَوْ الْإِدَاوَةِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَدْخَلَ يَدَهُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَاغْتَرَفَ بِهِمَا، وَفِي أُخْرَى لَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً فَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ جَمِيعًا فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ» فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي بَعْضِهَا يَدَيْهِ وَفِي بَعْضِهَا يَدَهُ فَقَطْ وَفِي بَعْضِهَا يَدَهُ وَضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا، فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَّاتٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَالْمَشْهُورَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَخْذُ الْمَاءِ لِلْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ إلَى الْإِسْبَاغِ.
وَالْكَلَامُ عَلَى أَطْرَافِ الْحَدِيثِ يَأْتِي فِي الْوُضُوءِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - وَإِنَّمَا سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُغْتَرَفَ مِنْهُ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لَا يَصْلُحُ لِلطَّهُورِيَّةِ، وَهِيَ مَقَالَةٌ بَاطِلَةٌ يَرُدُّهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِخُرُوجِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ أَنَّ إدْخَالَ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ لِلْغَرْفَةِ الَّتِي يَغْسِلُهَا بِهَا يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَقَالَاتٌ فِي الْمُسْتَعْمَلِ لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ وَتَفْصِيلَاتٌ وَتَفْرِيعَاتٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ بِمَعْزِلٍ، وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا سَلَفَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي خُرُوجَ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَرَّتَيْنِ بَعْدَ تَثْلِيثِ غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَدَدًا كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَهَكَذَا أُطْلِقَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِوَاحِدَةٍ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد، وَقَدْ وَرَدَ التَّثْلِيثُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ طَرِيقٍ خَالَفَتْ الْحُفَّاظَ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. .