. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
الْإِبِلِ وَبَعْرِهَا لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا. وَيُرَدُّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ تَسْتَلْزِمُ الْمُبَاشَرَةَ لِآثَارِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهَا لَا تُؤْذِي أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ، وَالتَّعْلِيلُ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ بِأَنَّهَا تُؤْذِي الْمُصَلِّي، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَانِعُ لَا مَا كَانَ فِي الْمَعَاطِنِ مِنْ الْأَبْوَالِ وَالْبَعْرِ.
وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ «لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ» عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ مَرْفُوعًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ الْحُسَيْنِ الْعُقَيْلِيِّ وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ عَنْ الثِّقَاتِ بِغَيْرِ حَدِيثٍ مُنْكَرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو عُمَرَ الْبَجَلِيُّ الرَّازِيّ، قَدْ ضَعَّفُوهُ جِدًّا، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَكَانَ وَكِيعٌ شَدِيدُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: كَذَّابٌ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ دَوَاءٍ خَبِيثٍ» وَالتَّحْرِيمُ يَسْتَلْزِمُ النَّجَاسَةَ، وَالتَّحْلِيلُ يَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ، فَتَحْلِيلُ التَّدَاوِي بِهَا دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَتِهَا، فَأَبْوَالُ الْإِبِلِ وَمَا يَلْحَق بِهَا طَاهِرَةٌ.
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، فَالنَّهْيُ عَنْ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا ضَرُورَةَ فِيهَا وَالْإِذْنُ بِالتَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ خَبِيثًا حَرَامًا، وَلَوْ سَلِمَ فَالتَّدَاوِي إنَّمَا وَقَعَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ فَيَكُونُ خَاصًّا بِهَا، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «إنَّ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ شِفَاءً لِلذَّرِبَةِ بُطُونُهُمْ» ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ، وَالذَّرَبُ: فَسَادُ الْمَعِدَةِ، فَلَا يُقَاسُ مَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِ دَوَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ نَفْيُ الدَّوَاءِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ تَحْرِيمِ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ وَقَعَ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَ عَنْ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِ الْمُسْكِرِ بِهِ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، لِأَنَّ شُرْبَ الْمُسْكِرِ يَجُرُّ إلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ شِفَاءً، فَجَاءَ الشَّرْعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ بِدُونِ مُوجِبٍ، وَالْمُعْتَبَرُ عُمُومُ اللَّفْظِ لَا خُصُوصُ السَّبَبِ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَزْبَالِ، وَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَنَسَبَهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْجُمْهُورِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ بِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ» الْحَدِيثَ.
قَالُوا: يَعُمُّ جِنْسَ الْبَوْلِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَوْلِ الْإِنْسَانِ، وَلَا أَخْرَجَ عَنْهُ بَوْلَ الْمَأْكُولِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ غَايَةُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ. وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَوْلُ الْإِنْسَانِ