. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: «كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ» .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْبَوْلِ لِلْعَهْدِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ: بَوْلِ الْإِنْسَانِ لَا بَوْلَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي بَوْلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْخَطَّابِيِّ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْأَبْوَالِ كُلِّهَا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمُحَصِّلُ الرَّدِّ أَنَّ الْعُمُومَ فِي رِوَايَةِ مِنْ الْبَوْلِ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لِقَوْلِهِ: " مِنْ بَوْلِهِ " أَوْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ طَهَارَةُ الْأَبْوَالِ وَالْأَزْبَالِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمه تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ وَاسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالنَّجَاسَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ نَاقِلٌ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي يَقْتَضِيه الْأَصْلُ وَالْبَرَاءَةُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا إلَّا بِدَلِيلٍ يَصْلُحُ لِلنَّقْلِ عَنْهُمَا، وَلَمْ نَجِدْ لِلْقَائِلِينَ بِالنَّجَاسَةِ دَلِيلًا كَذَلِكَ، وَغَايَةُ مَا جَاءُوا بِهِ حَدِيثُ صَاحِبِ الْقَبْرِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ الْخُصُوصَ كَمَا سَلَفَ عُمُومٌ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ لَا يَنْتَهِضُ عَلَى مُعَارَضَةِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمُعْتَضِدَةِ بِمَا سَلَفَ، وَقَدْ طَوَّلَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي الْمُحَلَّى الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَمْ نَجِدْهُ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُدِرْ بَحْثَهُ عَلَى غَيْرِ حَدِيثِ صَاحِبِ الْقَبْرِ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَزَبْلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَزِبْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ؟ قُلْت: قَدْ تَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ " إنَّهَا رِكْسٌ " قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّوْثَةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَبِمَا تَقَدَّمَ فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَأَلْحَقُوا سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ بِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْأَكْلِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ عَدَمُ الْأَكْلِ وَهُوَ مُنْتَقِضٌ بِالْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ زِبْلِ الْجَلَّالَةِ، وَالدَّفْعُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي زِبْلِ الْجَلَّالَةِ هُوَ الِاسْتِقْذَارُ مَنْقُوضٌ بِاسْتِلْزَامِهِ لِنَجَاسَةِ كُلِّ مُسْتَقْذَرٍ كَالطَّاهِرِ إذَا صَارَ مُنْتِنًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ زِبْلَ الْجَلَّالَةِ هُوَ مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهِ لَا لِلِاسْتِقْذَارِ، بَلْ لِكَوْنِهِ عَيْنَ النَّجَاسَةِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي جَلَّتْهَا الدَّابَّةُ لِعَدَمِ الِاسْتِحَالَةِ التَّامَّةِ.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِمَفْهُومِ حَدِيثِ «لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ» الْمُتَقَدِّمِ فَغَيْرُ صَالِحٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَعْفِهِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ حَتَّى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ خَبَرٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ قَالَ: لِأَنَّ فِي رِجَالِهِ سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ النَّقْلِ مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ، فَاَلَّذِي يَتَحَتَّمُ الْقَوْلُ بِهِ فِي الْأَبْوَالِ وَالْأَزْبَالِ هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَزِبْلِهِ وَالرَّوْثَةِ.
وَقَدْ نَقَلَ التَّيْمِيُّ أَنَّ الرَّوْثَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَلَكِنَّهُ زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ «إنَّهَا رِكْسٌ إنَّهَا رَوْثَةُ حِمَارٍ» . وَأَمَّا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا فَإِنَّ وَجَدْت فِي بَوْلِ بَعْضِهَا أَوْ زِبْلِهِ مَا يَقْتَضِي إلْحَاقُهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ طَهَارَةً أَوْ نَجَاسَةً أَلْحَقْته وَإِنْ لَمْ تَجِدْ، فَالْمُتَوَجِّهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ وَالْبَرَاءَةِ كَمَا عَرَفْت.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ: فَإِذَا أُطْلِقَ الْإِذْنُ