وَبعد فَإنَّا قد بَينا اخْتِلَاف أَحْوَال الصِّفَات فِي التوسيع والتضييق فِي أَشْيَاء على الإتفاق فِي أَنَّهَا صِفَات الذَّات فلنقل فِيمَا ذكر كَذَلِك
ثمَّ من مذْهبه أَن الله تَعَالَى كَانَ غير خَالق وَلَا رَحْمَن وَقدر على أَن يَجْعَل ذَاته خَالِقًا رحمانا وَيجوز أَن نعْبد الرَّحْمَن الْخَالِق فَيكون على قَوْله قدر على أَن يَجْعَل لِلْخلقِ معبودا وَذَلِكَ اسْم تقع عَلَيْهِ الْقُدْرَة فَيصير فِي الْحَقِيقَة يعبد غير الله وَهُوَ أَيْضا من وَجه هَذِه الْأَسْمَاء مُحدث من حَيْثُ كَانَت مِمَّا تقع عَلَيْهِ الْقُدْرَة
ثمَّ يُقَال لَهُ أيقدر الله أَن لايخلق الْخلق
فَإِن قَالَ لَا صيره خَالِقًا بِالضَّرُورَةِ أَو بِنَفسِهِ وَبَطل قَوْله وَإِن قَالَ يقدر فَيلْزمهُ أَن يَجْعَل غير الْمَخْلُوق خلقا بِوُقُوع الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك إِثْبَات قدم الْخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَاحْتج فِي حدث الْكَلَام بِذكر الْإِتْيَان والمجئ وَهُوَ من ذَلِك الْوَجْه مُحدث وَقد بَينا أَن الله تَعَالَى إِذْ وصف بالْكلَام على تعاليه عَن إحتمال التَّغَيُّر والزوال فَمثله فِي صفة الْكَلَام وَالْفِعْل وَمَا ذكرت
على أَن الله قد أضَاف المجئ إِلَى نَفسه ثمَّ لم يجب أَنه حدث بل صرف إِلَى الْوَجْه الَّذِي يحِق بالربوبية فَمثله الأول
وَكَذَلِكَ وَجب صرف الْإِتْيَان إِلَى الْوَجْه الَّذِي يحِق بالربوبية لَا إِلَى مَا عرف بِهِ الْخلق من التَّغَيُّر والزوال فَمثله فِي حَقِيقَة الْفِعْل وَالْكَلَام على مَا قَالَ إِبْرَاهِيم {لَا أحب الآفلين} وَمن يكون على حَال ثمَّ على أُخْرَى فَهُوَ من الآفلين بالتحقيق وَالله أعلم