إذا كان ممن تجب عليه الجمعة وهذا صحيح, ومعناه إذا تقرر أن يعتكف 365 ب/4 في مسجد بعينه أيامًا متتابعة لا يجوز له الخروج منه؛ لأن خروجه يقطع التتابع ويبطل الاعتكاف, كذلك إذا نذر أن يعتكف أكثر من سبعة أيام متتابعة لا يجوز أن يعتكف في غير الجامع, لأنه إذا اعتكف في غيره يحتاج أن يخرج للجمعة, فإذا خرج بطل التتابع, وإذا بطل التتابع بطل الاعتكاف. ولو اعتكف في غيره يجوز ولكن لا يمكنه أداء ذلك إلا بأن يمرض فتسقط عنه الجمعة.
وقال أصحابنا: لو اعتكف في المسجد ثم خرج لقضاء حاجة فعاد إلى مسجد آخر من طريقة جاز ولا يتعين عليه الأول, لو خرج إلى مسجدًا آخر في غير طريقه أو أبعد من الأول لم يجز لأنه يكون تركًا للاعتكاف.
مسألة: قال (1): "ويخرجُ للغائِطِ والبَولِ إلى منزله وإنُ بَعُدَ".
وهذا كما قال, هذا تفريغ على الاعتكاف الواجب المتتابع, لأن الخروج في غير المتتابع لا يؤثر, فإذا نذر اعتكافًا متتابعًا له أن يخرج لحاجة الإنسان وهي الغائط والبول إلى منزله, وله أن يتوضأ هناك؛ وإن جاز في المسجد, لأن الأولى أن لا يتوضأ في المسجد لما روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: 366 أ/4 كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلى رأسه وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" فإذا تقرر هذا قال أصحابنا: ينظر فإن كان منزله قريبًا لا بأس به, وإن كان بعيدًا متفاحشًا فالمذهب أنه لا يجوز له ذلك وما نقل المنزني "وإن بعد" لا يعرف للشافعي, وإنما هو من المزني لأنه ربما يبعد منزله من المسجد بعدًا لو رجع إليه لحاجة الإنسان فإلى أن يعود إلى المسجد لعله يحتاج مرة أخرى إلى الرجوع فيبقى من طريق المسجد ذاهبًا وراجعًا ويكون طول نهاره في قطع المسافة. وقيل: إن صح هذا اللفظ عن الشافعي أراد به التطوع الذي لا متابعة فيه أنه لا يجوز.
فرع
لو كانت في المسجد سقاية ومنزله بعيدًا لا يتفاحش له أن يخرج إلى منزله لأنه يحتشم من دخول السقاية من المسجد وتنقص مروءته به فلا يكلف ذلك, وكذلك إذا كانت بقربه دار الصديق فبذل له قضاء الحاجة فيها لا يكلف الدخول إليه, وهذا أولى, لأن الحشمة ها هنا أكثر.
فرع آخر
لو كان منزلان أحدهما ابعد من الآخر فالمذهب أنه لا يجوز له المضي إلى الأبعد لأنه لا حاجة به على المضي إلى الأبعد 366 ب/4 وقال الداركي: سئل ابن أبي هريرة عن هذا فقال: له الخروج إلى الأبعد وهذا بعيد.