فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرتين يجمعها في سنة واحدة، إحديهما هي المقرونة بالحج، والثانية هي المفردة عن الحج.
وأما فعل عائشة نفسها فهو ما روي عن سعيد بن المسيب قال: اعتمرت عائشة في سنة واحدة مرتين، مرة من ذي الحليفة، ومرة من الجحفة (1).
وروى صدقة بن يسار، عن القاسم بن محمد، قال: اعتمرت عائشة في شهر واحد مرتين. قال صدقة: قلت للقاسم: ولم يعب عليها (أحد) فقال: سبحان الله أم المؤمنين (2). أي أم المؤمنين تفعل ما يعاب.
وأما فعل على فهو ما 31/ب روى سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: في كل شهر عمرة (3). ومثله لا يندب إلى خير إلا ويقصد بنفسه فعله إذا تمكن منه.
وأما فعل ابن عمر فهو ما روى موسى بن عقبة، عن نافع قال: اعتمر ابن عمر - رضي الله عنهما - أعواماً في إمارة ابن الزبير في كل سنة مرتين (4).
وروى: ابن عمر كان يعتمر في كل يوم من أيام بن الزبير. ذكره في "الشامل" وذكر أيضاً عن على رضي الله عنه أنه كان يعتمر في كل يوم مرة.
وأما فعل أنس فهو ما روى سفيان، عن ابن أبي حسين، عن بعض أولاد أنس قال: كان أنس رضي الله عنه كلما حمم رأسه اعتمر (5). أي كان لا يحلق إلا في عمرة، ويروى بالجيم من الجمة، ويروي بالحاء من الحمة.
والدليل على أنه لا يكره في شيء من السنة، ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما، والحج المبرر ليس له جزاء إلا الجنة" (6). والمبرور: الذي لا يخالفه إثم.
وروى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة ألا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فإن هذا الحي من قريش كانوا يقولون: إذا عفا الوبر وبر الدبر ودخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر (7). وقوله: "عفا الوبر": أي كثر وكانوا لا يعتمرون في الأشهر الحرم حتى تنسلخ.