الحقيقة رجوع إلى المكان الذي خرج منه. وقال في "الإملاء": يصوم السبعة إذا رجع من حجّه بعد كمال مناسكه.
ثم اختلف أصحابنا في هذا, فقال جماعة: مذهبه في "الإملاء": أنه يصومها إذا أخذ في الخروج من مكة راجعًا إلى بلده, ولا يجوز له أن يصوم بمكة قبل خروجه, وهو اختيار أصحابنا بالبصرة. وقيل: إنه قول مالك, وهو اختيار أبي إسحاق, وقال أصحابنا البغداديون: مذهبه في "الإملاء" أنه يصومها إذا رجع إلى مكة بعد فراغه من مناسكه ورميه سواء أقام بمكة, أو خرج منها. وبهذا قال ابن عباسٍ والحسن وعطاء 52/ أ ومالك وأبو حنيفة وأحمد, واحتجوا بأن كل من لزمه صوم, وله أن يؤديه إذا رجع إلى وطنه له أن يؤديه قبل ذلك لقضاء رمضان, وهذا غلط لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المتمتع: "من كان معه هدي فليهده ومن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله". وهذا نص صريح, فإذا قلنا بالقول الصحيح, فالمراد بالوطن موضع العزم على الاستيطان فيه سواء كان البلد الذي خرج منه, أو غيره حتى لو أقام بمكة كانت وطنه وصامها فيها, فعلى هذا وقت جواز فعلها حصوله في موضع الاستيطان, ولو صام قبل ذلك لم يجهزه لأنه لا يجوز أداء العبادة البدنية قبل دخول وقتها ولو أخّر صيامها مع القدرة عن هذا الوقت كان مسيئًا وأجزأته, وإذا قلنا بقول "الإملاء" على اختيار أبي إسحاق يصومها إذا خرج من مكة, فإن صام قبله لا يجوز, ولو أخّرها حتى رجع إلى أهلهِ كان مسيئًا وأجزأته. هكذا قال "الحاوي" (1) , وقال سائر أصحابنا: أجزأته, وهل الأفضل له التأخير إلى الرجوع إلى أهله أم التقديم على ذلك؟ قولان:
أحدهما: الأفضل له التقديم لأن تعجيل العبادة في أول وقتها أفضل عند القدرة.
والثاني: التأخير أفضل. وبه قال مالك لأنه مختلف في جوازه قبل ذلك وفعل العبادة على الوجه المجمع أولى. وإذا قلنا بقول "الإملاء" على اختيار البغداديين يصومها إذا فرغ من أعمال حجّه, فإن صام قبل فراغه من جميع أعمالهِ لم يجز, وإن صام بعد فراغه من جميع أعمال حجّه, وهو بمكة, أو في طريقه أجزأه, وأما متابعة صيام الأيام الثلاثة في الحجّ, والسبعة الأيام إذا رجع فمستحبة وفي وجوبها وجهان مخرجان 52/ ب من القَولَين في التتابع في صوم كفارة اليمين ذكره الإمام والدي, وصاحب "الحاوي" (2) وسائر أصحابنا ذكروا: أنه يجوز متتابعًا ومتفرقًا بلا خلاف لأن الله تعالى أطلق ولم يشترط التتابع, وإن لم يصم الثلاثة في الحجّ, فمتى عاد إلى وطنه يلزمه صَوم العشرة ثلاثة أيام قضاء وسبعة أداء, فهل يلزمه أن يفرق بين الثلاثة أو السبعة؟ المنصوص أنه يلزمه التفريق بينهما, وهو قول الأكثرين من أصحابنا. ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه, وله أن يصوم العشرة متابعة, لأن التفريق وجب في الأداء لأجل الوقت, فإذا فات الوقت يسقط كترتيب الصلوات في أوقاتها تسقط بفوات الوقت.