يحرم من حيال قرب الميقاتين إليه لأثر عمر رضي الله عنه الذي ذكرنا، فإن تساويا في القرب أحرم من حذوا أيهما شاء، ولو كان بين ميقاتين:
أحدهما: عن يمينه وبين الرجل وبينه خمسة أميال، وبين ذلك الميقات وبين مكة مسيرة ثلاثة ليال وبينه وبين الميقات الذي على يساره ثلاثة أميال إذا حاذاه، وبين مكة وبينه مسيرة ليلتين، فإذا انتهى الرجل إلى محاذاة الميقات الذي مر على يمينه لزمه الإحرام. ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى محاذاة الميقات الثاني، وإن كان بين طريقه وبين الثاني أقل بين طريقه وبين الأول.
مسألة: قال (1): ولو أتى علي ميقات لا يريد حجًا ولا عمرة، فجاوزه، ثم بدا له أن يحرم.
الفضل
المجتاز بالميقات علي ثلاثة أضرب:
أحدهما: يكون مريدًا النسك، إما الحج أو العمرة، فيلزمه أن يحرم منه، ولا يجوز له أن 59/ب يتجاوزه إلا محرمًا، فإن جاوزه غير محرم، فإن قدر علي الرجوع لزمه الرجوع إلي الميقات، فإن لم يرجع، قال في "الأم" (2): كان مسيئا يعني يأثم به، وعليه دم، وإن رجع وأحرم من الميقات لم يلزمه الدم قولًا واحدًا، وإن أحرم دونه، ثم رجع إلى الميقات محرماً.
اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: لا يلزمه الدم، وهو الصحيح، وظاهر المذهب. وبه قال الحسن وأبو يوسف ومحمد، فعلة هذا من أراد النسك مخير بين ثلاثة أشياء بين أن يحرم قبل الميقات وبين أن يحرم من الميقات وبين أن يحرم دونه، ثم يعود إليه، ولا يكون مسيئًا في واحدٍ منهما. ومن أصحابنا من قال: يلزمه الدم، ولا يخرج عن الإساءة بذلك.
وبه قال مالك وزفر لأنه قد استقر عليه بإحرامه دون الميقات، فلا يسقط عنه بالرجوع إليه كما لو رجع بعد أن تلبس بالوقوف، أو طاف لا يسقط عنه الدم بلا خلاف. وهذا غلط لأنه حصل في الميقات محرماً قبل التلبس بشيء من أفعال النسك، فلا يلزمه الدم كما لو أحرم فيه. وأما الذي قاسوا عليه لا يصح لأن هناك حصل في الميقات في غير وقت إحرامه. وههنا حصل في الميقات في وقت إحرامه لأن الإحرام يتقدم أفعال الحج كلها. وقال أبو حنيفة إن عاد إلي الميقات ولبى، فلا دم عليه، وإن لم يلب يلزمه الدم وإن عاد، وهذا غلط لما ذكرنا، ونقيس علة ما لو عاد ولبى، وإن كان له عذر يمنعه من العود بأن يخاف الانقطاع عن الرفقة، أو كان الطريق مخوفًا، أو خاف فوت الحج لا يلزمه العود، وله الخروج على وجهه ويلزمه مع ذلك دم لأنه ترك قطع مسافة يلزمه قطعها بإحرام.
وروى ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم 60/أ قال: "من ترك نسكاً،