وروى عبد العزيز أبي حزم، عن أبيه قال: ما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية (1) وفي التلبية أقاويل:
أحدها: أنها مأخوذةً من قولهم: ألب فلان بالمكان، ومعنى لبيك أنا مقيم على طاعتك وعلى أمرك غير خارج عن ذلك ولا شارد عليك. وقوله "لبيك" تثنيةُ ليس لها 69/ب واحد، وإنما ثنوه لأنهم أرادوا به إقامةَ بعد إقامةً، وطاعةً بعد طاعةَ، كما قالوا: "حنانيك ربنا" أي هب لنا رحمةً بعد رحمةً.
الثاني: مأخوذةً من الإجابةَ ومعناها إجابتي لك.
والثالث: مأخوذة من اللب الذي هو خالص الشيء، ومعناها الإخلاص أي أخلصت لك الطاعةَ.
والرابع: مأخوذة من لب العقل، ومعناها: أي منصرف إليك وقلبي مقبل عليك.
والخامس: أنها مأخوذةً من المحبة يقال: امرأة لبةً إذا كان لولدها محبةً ويكون معناها: محبتي لك (0)
مسألة (2): قال: "ويلبي المحرم قائمًا أو قاعدًا".
الفصل
التلبيةُ مستحبةً في الإحرام في عموم الأحوال لكل من أحرم من الرجال والنساء والصبيان طاهرة كانت المرأة أو حائضًا جنبًا كان أو متطهرًا، وعلى كل حال قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، وراكباً ونازلًا بالأرض وسائرًا، لأنه ليس في الخبر ولا عن الصحابةُ تخصيص يعفي هذه الأحوال وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ما كان يمنع عن ذكر الله تعالى مع الجنابةَ، وإنما كان يمنع عن تلاوةَ القرآن. وقوله: "وعلى كل حالٍ" أراد به ما عدا الحالات المعلومةَ الني يكره فيها ذكر الله تعالى، ويختص بها أحوال حدوث أمرٍ ويريدها تكرارًا مثل ركوب ونزول، وظهور على نشزٍ، أو اضطمام رفقةً، أو دخول مسجد، أو فراغ من صلاةً، أو إقبال الليل والنهار ووقت السحر، فقد روي في ذلك عن السلف، قال جابر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي في حجه إذا لقي راكباً أو علا أكمةً أو هبط وادياً وفي إدبار 69/ أ المكتوبة، ومن آخر الليل.
وقال نافع: كان ابن عمر يلبي راكبًا ونازلا ومضطجعًا (3)، ويستحب رفع صوته بها في ثلاثةً مساجد: المسجد الحرام، ومسجد إبراهيم بعرفة، ومسجد الخيف بمنى، لأن العادةَ جرت برفع الصوت فيها بالتلبيةً، وأنا فيما عدا هذه الثلاثةَ من المساجد، قال في "الجديد" يكره رفع الصوت بها فيها لأنه يؤذي المصلين فيها، وليست مواضع التلبيةَ. وبه قال مالك: وقال في "الجديد"، يستحب رفع الصوت بها في كل سجد لأنها ذكر الله تعالى، وهكذا نقل المزني، فقال: وفي جميع المساجد، ولأنه موضع