فَرعٌ آخرُ
قال أصحابنا: إذا أراد الرجل الإحرام يجوز له أن يحلق شعر رأسه، والأولى أن يلبده ويعقصه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّه. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يهلّ ملبدًا، وتلبيد الشعر قد يكون بالصمغ وقد يكون بالعسل، وإنما يفعل ذلك ليجتمع الشعر ويتلبد، فلا يتخلله الغبار ولا يصيبه الشعث، ولا يقع فيه الدبيب فإن حلق قبل إحرامه، ولم يلبد كان له إذا حل أن يحلق أو يقصر، وإن لبده وعقصه فيه قولان:
أحدهما: قاله في (القديم": عليه أن يحلقه ولا يقصره، وذلك فائدة التلبيد والإطالة. وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لبد رأسه فقد وجب عليه الحلق" (1).
والثاني: قاله في "الجديد" وهو الأصح إن شاء حلق وإن شاء قصر لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} الفتح: 27.
مَسْألَةٌ: قالَ (2): وما شم من نبات الأرض مما لا يتخذ طيبًا.
الفَصْلُ
أصناف الطيب معروفة والمسك طيب 84/ ب وما عداه فأكثره نبات الأرض، وكل نبات له رائحة طيبة فعلى ثلاثة أضرب: أحدهما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب مثل الورد والياسمين والخيري ونحو ذلك فلا يجوز للمحرم شمه، فإن شمه تلزمه الفدية، ومن جملته الورس والزعفران والعنبر والكافور فإنه يخرج من الشجر مثل الصمغ. والنصّ في الخبر على الورس والزعفران تنبيه على غيرهما، والثاني، يقصد شمّه ولا يتخذ منه الطيب كالريحان والمرزنجوش قال الشافعي في كتبه الجديدة له لا يجوز شمه وعليه الفدية كالضرب الأول، وقال في "القديم": اختلف أصحابنا في الريحان، فقال بعضُهم: هو طيب، وروي ذلك عن عمر رضي الله عنهما، وفيه احتياط. وبه أخذ، وقال بعضهم: ليس بطيب، وهو قول عطاء ففي المسألة طريقان:
أحدهما: المسألة على قول واحد، أنه تلزمه الفدية، لأنه قال: وبه آخذ واعترض على قول عطاء، فقال من قال بهذا: إذا دهن الشقاق كالزئبق لا فدية عليه ولا خلاف في وجوبها به عند الشافعي.
والثاني: في المسألة قولان، لأن أحدهما ليس بطيب، ولا فدية. وبه قال عثمان وابن عباس رضي الله عنهما. أبان بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه أنه سئل عن المحرم أيدخل البستان؟ فقال؟ نعم ويشمّ الريحان، وبه قال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما، والثاني: أنه طيب، وفيه الفدية. وبه قال جابر، وهو الصحيح لأنه يعدّ طيبًا في