يكن عليه فدية وكرهت له ذلك. قال بعض أصحابنا: أراد إذا لم يقصد شمه, فأما إذا قصد شمه تلزمه الفدية لأنه يكون بمنزلة الورد والريحان.
ومن أصحابنا من قال: وان شمه لا فدية أيضاً, لا بالمجاورة ولا بالمباشرة, والصحيح عندي الأول, ولو شمه من غير حائل تلزمه الفدية بلا إشكال, ومن أصحابنا من قال: لا فدية فيه أيضا لأنه لا يستعمل هكذا إرادة التطيب به, ويخالف التبخر بالعود لأنه هكذا يتطيب به, وهذا غلط عندي, ولو شم عوداً, قيل: فيه وجهان, والأصح أنه تلزمه الفدية.
مسألة: قال (1): وله أن يجلس عند العطار, لا بأس أن يجلس المحرم والمحرمة عند العطارين ويدخلا 88/أ حانوته ويشتريا الطيب ما لم يمساه نشئ من أجسادها، ولا يكره ولهما أن يجلسا عند الكعبة وهى تجمر أي: تبخر بالعود لأنه لا يمكن الاحتراز من هذه الأشياء فعفا عنه وهل يستحب له الاجتناب عن هذه الأشياء؟ قال: ههنا له أن يجلس عند العطارين وقال في موضع من " الأم" (2)، وأحب أن يجتنب العطارين, وكل موضع فيه طيب إلا في موضع من الكعبة والطواف ويجتنب أن يستنشقه, فإن فعل فلا شئ عليه فحصل من هذا أنه يستحب له التوقي في غير موضع البر, ولا يستحب له ترك موضع البر كذلك لأنه مباح وقال بعض أصحابنا: إن جلس عند العطار لغير شم الطيب لا يكره قولا واحداً, وإن كان يشم الطيب فيه قولان, قال في "مختصر الحج": لا يكره، وقال في "الأم": يكره ذلك. ذكره أبو حامد لأنه يوصل إلى تحصيل المقصود من محظور عبادته. وقال القاضي الحسين: إذا قصد القعود للرائحة يكره, والخلاف في وجوب الفدية, ونظيره لو غربل الدقيق في الصوم وفتح فاه عمدا حتى وصل غبار الدقيق الى جوفه, هل يفطره؟ قلنا: وكذلك لو جلس جماعة من المحرمين ووضع المجمر فيما بينهم من غير أن يتخذ أحدهم تحت ثوبه متطيباً به، فلا شئ عليهم, فإن قيل: قلتم المحرم لا يعقد النكاح ويشرى الطيب, فما الفرق قلنا: الفرق أن المقصود من النكاح الاستمتاع, فإذا حرم المقصود به حرم في نفسه, ولا يقصد بشراء الطيب التطيب, فإنه يقصد به التجارة كما يشترى الثياب المخيطة والجواري, وإن كان الاستمتاع بها محرماً, فإن قيل: أليس لا يجوز له شرى الصيد وليس المقصود به الأكل؟ قلنا: لم يحرم أكل الصيد وحده, وإنما ورد الشرع بتحريم الاصطياد, وهو 88/ب يملك الصيد, والشراء ضرب من تملكه, فلم يجز بخلاف هذا.
فرع آخر
لو مسّ الطيب لا للتطيب لكن لحمله أو نقله لم يضرّه, قاله أكثر أصحابنا, وقال بعضهم: إذا مسّ شئ من بشرته عين الطيب تلزمه القديمة, وإنما تلزمه إذا تلزمه إذا مسّه بطرفه.
فرع آخر
لو حمل نافحة فيها المسك, قال أبو حامد: على قياس ما ذكرنا في "الأم" من أنه لا فدية عليه لأن بينه وبين الطيب حائلاً, وكذلك لو ترك طيباً في قارورة وشد رأسها