منى، وأصل الفيض: السيلان، والإيجاف: الإسراع في السير.
وقال عروة رضي الله عنه: سئل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجّة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العّنّق، فإذا وجد فجوة نص (1). العنق السير الوسيع، والنصّ: أرفع السير، وفي هذا بيان أن السكينة الأمور بها إنما هي من أجل الرفق بالناس لئلا يتصادموا، فإذا لم يكن زحام، وكانت في الموضع سعة سار كيف شاء والإسراع أفضل 134/أ ليكون أسرع وصولًا إلى المزدلفة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال: "هذا عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف"، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد خلفه، وجعل يشير بيده على هينته، ويقول: أيها الناس عليكم بالسكينة ثم أتى جمعًا، فصلى بهم الصلاتين جميعًا، فلما أصبح أتى قزج، ووقف عليه، وقال هذا قزج، وهو الموقف وجمع كلها موقف، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر، فقرع ناقته فحنت حتى جاز الوادي فوقف وأردف الفضل، ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر، فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر واستفتته جارية شابة من خثعم، فقالت: إن أبي شيخ كبير، قد أدركته فريضة الله تعالى في الحجّ، أفيجزئ أن أحجّ عنه؟ قال: حجّي عن أبي. قال: ولوى عنق الفضل.
فقال العباس: يا رسول الله لو لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابًا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما، وأتاه رجل فقال: يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق، قال: "احلق أو قصر ولا حرج"، قال جاء آخر فقال: يا رسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، قال: ثم أتى البيت فطاف به، ثم أتى زمزم، فقال: يا بني عبد المطلب لولا أن تغلبكم الناس لنزعت وروي أنه عليه السلام دفع منها، ولم يكن بين يديه ضربه ولا طرد ولا إليك إليك.
مَسْألَةٌ: قالَ (2): فإذا أتى المزدلفة جمع مع الإمام المغرب والعشاء بإقامتين.
الفَصْلُ
السنة أن لا يصلّي المغرب والعشاء حتى يأتي المزدلفة ثم يصلّيهما، فيجمع بينهما بإقامتين ليس معهما أذان، وهذا لأن سن لصلاة الوقت وصلاة المغرب لم تصل في وقتها، فلا يؤذن لها كما لا يؤذن للعصر بعرفة. وبه قال أبو إسحاق، 134/ب وفيه قول ثانٍ.
قاله في "القديم": يجمع بينهما بأذان وإقامتين وهو اختيار أبي حامد. وبه قال أبو حنيفة ومالك، وهذا لما روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فأمر بلالًا، فأذن وأقام وصلّى الصلاة الأولى، ثم أمره، فأقام وصلّى الصلاة الثانية". وهذا الخبر أولى لأنه زائد.
وقال سفيان الثوري: يجمعان بإقامة واحدة، لما روى ابن عمر رضي الله عنه، قال: