ولأن أرباب الإبل إنما يمشي إلى الرعي بعدما نزلوا, واطمأنت بهم الدار بمنى, وذلك لا يكون في بكرة النهار, ولذلك لا يرخّصون في تأخير الطواف الواجب, لأنه مؤقت بذلك اليوم يكره تأخيره عنه.
فَرْعٌ آخر
لو لم يصدروا حتى غربت الشمس يوم النحر, قال أصحابنا: كان لأهل السقاية أن يصدروا, وليس للرعاء أن يصدروا. والفرق أن عذر السقاية بالليل والنهار واحد, والرعي إنما يكون بالنهار دون الليل.
فَرْعٌ آخر
من لا عذر له إذا لم يبت ليلة اليوم الأول من أيام التشريق, وليلة اليوم الثاني, وجاء في اليوم الثاني, وهو النفر الأول, فأراد أن يرمي وينفر مع الناس.
قال أصحابنا: ليس له 151/ ب ذلك, لأنه لا عذر له, وإنما جوّز للرعاء وأهل السقاية للعذر وجوّز لسائر الناس أن ينفروا لأنهم قد أتوا بمعظم الرمي والمبيت, وهذا فلا عذر له, ولم يأت بالمعظم, فلا يجوز له أن ينفر.
مسألة: قال (1): ويخطب الإمام بعد الظهر اليوم الثالث من يوم النحر, وهو النفر الأول, فيودع الحاج ويعلمهم أن من أراد التعجيل, فذلك له.
هذه هي الخطبة الرابعة, وهي خطبة واحدة يستحب للإمام ذلك يوم النفر الأول بعد الظهر, فيودع الحاج لأنها آخر خطب الحج ويعلمهم أن من أراد التعجيل, ف لك له يأمرهم أن يختموا حجتهم بتقوى اللع وطاعته واتباع أمره, لأن الأمور بخواتيمها.
وقال أبو حنيفة: لا تستحب هذه الخطبة وهذا غلط لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في أوسط يوم من أيام التشريق أورده أبو داود, ولأن بالناس حاجة بمعرفة ما ذكرنا, فلا بدّ من الخطبة.
مسألة: قال (2): ومن لم يتعجل حتى يمسي رمى من الغد.
الفَصلُ
قد بينا أنه يجوز أن يرمي يومين من أيام التشريق وينفر في اليوم الثاني بعد الرمي قبل غروب الشمس, ولا يرمي في اليوم الثالث, فإن لم يتعجل حتى غربت الشمس يلزمه أن يبيت بها, ويرمي من الغد.
والأصل فيه قوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ} البقرة: 203 , فقيد التعجيل باليوم, فدل أنه إذا انقضى اليوم, انقضى وقت التعجيل, فإن قبل: في التعجيل يجوز أن يقال: لا إثم عليه, فما معنى قوله تعالى: {ومَن تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ} , وإذا تأخر ورمى في اليوم الثالث, فلم يترك شيئًا من الرمي بل أتى بكماله, وهذا التأخير فضيلة, فلماذا قال: ((فلا إثم عليه)) 152/ أ.