قال أصحابنا: هذا إذا عجز عن الرمي بهجوم المرض، فأذن به قبل تمكن الإغماء فيجوز أن يرمي عنه، لأنه فعل عن إذن من يصح إذنه، وإن كان مطيقا للرمي فأذن قبل إغمائه لا يجوز، لأنه لا يصح الإذن في هذه الحالة، فإن قيل: هلا قلتم إن هذا الإذن يبطل بالإغماء؟ قلنا: إنما يبطل بالإغماء الإذن الذي لا يتعلق بالنسك فلا لأنه يلزمه كالمعصوب إذا أذن لغيره بالحج عنه، ثم أغمي عليه بعده لم يبطل الإذن.
فَرْعُ آخرُ
إذا رمي الرجل ريما عن نفسه ورميا عن غيره أكمل الرمي عن نفسه، ثم عاد فرمى عن غيره كما يفعل ذلك إذا تدارك عليه رميان.
فَرْعُ آخرُ
قال أصحابنا: وإذا نفر النفر الأول، ثم ذكر أنه نسي شيء من الحصى، قال في "مختصر الحج" (1): أحب أن يأتي به، وعليه دم، لأنه إنما يجوز الرمي في اليوم الثالث ما دام هو في الحج، فإذا تقرر النفر الأول، فقد خرج من الحج بدليل 156/أ أنه يصح إحرامه بالعمرة الآن فلم يعتد بالرمي بعده، فعلى هذا يفوت الرمي أمرين: خروج وقته والخروج من الحج قبل خروج وقته.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجهان:
أحدهما: هذا.
والثاني: إن عاد بعد غروب الشمس لم ينفعه وتقرر الدم، وإن عاد قبل الغروب ذلك اليوم ورمى سقط الدم، كما لو ترك في يوم النحر، أو يوم القر، وعاد قبل الغروب ذلك اليوم ورمى لا يلزمه شيء، وهذا خلاف النص الذي ذكرناه والفرق ظاهر.
مسألة: قال (2): وإن ترك المبيت ليلة من ليالي منى، فعليه مد.
قد ذكرنا ما قيل فيه، وعند أبي حنيفة، لا يلزمه شيء والمنصوص ههنا المد، وفي الثلاثة الدم، ثم فسر الشافعي الدم، فقال: والدم شاة يذبحها لمساكين الحرم، وهو صحيح، وهكذا كل دم يلزمه في النسك، فإنما هو لمساكين الحرم. ولفظه يدل علي أنه لا يجوز شوي اللحم والتصدق به بل يجب إراقة الدم، ولا يجوز أن ينقل اللحم عن مساكين الحرم إلي غيرهم خلافًا لأبي حنيفة، ثم بين من رخص له ترك المبيت بمنى، فقال: ولا رخصة في ترك المبيت بمنى إلا لرعاء الإبل وأهل سقاية العباس.
وقد ذكرنا ذلك والكمال أن يبيت ليالي أيام التشريق كلها، فإن بات ليلتين وتعجل وترك الثالثة كان له ما لم تغرب الشمس على ما ذكرنا في الرمي، فإن قال قائل: أليس له تعجيل يوم النفر الأول، فإذا ترك ثلاث ليالٍ وجب أن لا يلزم الأخير أن ليلتين، لأنه يجوز له ترك الليلة الثالثة ولبى له هذه الرخصة بشرط أن يبيت الليلتين، فأما إذا ترك ذلك صار تاركًا للكل، فعليه الدم 156/ب.