لما روي من خبر أبي قتادة، وروي فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله 204 / ب.
وروي أنه قال: " هل معكم من لحمه شيء". وأيضاً خبر جابر الذي ذكرنا. وأما ما ذكروا إنما رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه ظن أنه صيد من أجله وتركه على التنزه، أو كان حياً، لأنه قال: "حمار وحش"، فإذا تقرر هذا فلو أكل من هذا الصيد الذي حرمنا عليه أكله، هل يلزمه الجزاء بأكله؟ فيه قولان، قال في "القديم": يلزمه الجزاء بقدر ما أكله. وبه قال مالك وأحمد، وقال في "الجديد": لا جزاء عليه. وهذا أصخ، لأنه أكل من لحم صيد، فلا يلزمه الجزاء به، كما لو قتله وأكله لم يلزم الجزاء بالقتل دون الأكل واحتج مالك بأنه محظور إحرامه كما لو قتله.
قلنا: لأنه بالقتل أتلف صيداً نامياً بخلاف هذا.
فرع
إذا قلنا: يلزمه الجزاء، فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يكون ضامناً مثله لحماً من لحوم النعم يتصدق به على مساكين الحرم. وبه قال أحمد.
والثاني: يضمن بمثله من النعم، فإن أكل عشر لحم الظبي يلزمه عشر شاة.
والثالث: يضمن بقيمة ما أكل دراهم يتصدق بها إن شاء، أو يصرفها في طعام ويتصدق به، ذكره في "الحاوي".
فرع آخر
إذا باشر المحرم قتل الصيد لم يحل له أكله، وهل يحل لغيره من المحرمين والمحلين؟ قولان. قال في "القديم": يحل، وذكاته مبيحة له. وقال في "الجديد": لا يحل، وتكون ميتة. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد. وقال أصحابنا: قول "القديم" أصح في هذه المسألة لأن كل من أباحت ذكاته غير الصيد أباحت الصيد كالمحل، فإذا قلنا بالأول يلزمه الجزاء في حق الله تعالى، وما نقص الذبح للآدمي. وإذا قلنا بالثاني يلزمه تمام القيمة في حق المالك 212 / ب.
فرع آخر
إذا قلنا بالقول الأول، أو الثاني: لو أكل منه لا يلزمه الجزاء ويفارق المسألة قبلها في أحد القولين، وذلك أن هناك لم يجب بالقتل شيء، فجاز أن يلزمه الجزاء بالأكل. وههنا وجب بالقتل الجزاء، فلا يجب بالأكل شي، آخر. وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد.