فرع
لو أمسك المحرم صيدًا ثم جاء حلال فذبحه، قال أصحابنا: الجزاء على الممسك دون القاتل، لأن المحرم ضمن بالإمساك، فإذا تلف في يده بذبح الحل استقرّ عليه الضمان كما لو مات حتف أنفه، وهذا المحل القاتل أتلف صيدًا ليس بمملوك، لأحد لأن المحرم لم يملكه بإمساكه، فلا ضمان عليه ولو كان القاتل محرمًا، فيه وجهان:
أحدهما: يجب الجزاء على القاتل دون الممسك، لأن الإمساك سبب غير ملجئ اجتمع مع المباشرة، فتعلق الضمان بالمباشرة دون السبب كما لو أمسك أدصيٍد، ثم جاء آخر قتله.
والثاني: يجب عليهما نصفين، لأن الإمساك لو انفرد تعلق به الضمان، وكذلك القتل لو انفرد، فإذا اجتمعا تعلق الضمان بهما كما لو جرحا صيدًا، ويفارق إمسال الآدمي، لأنه لو انفرد لا يتعلق به الضمان. 213/ ب وهكذا الحكم في المحل إذا أمسك صيدًا في الحرم ثم جاء آخر فقتله يجب الجزاء وعلى من يجب، فيه وجهان.
وقال القاضي الطبري: لم يرد أصحابنا على هذا، ولا أعرف كلتا المسألتين للشافعي الذي يجب عناي على أصل الشافعي، أن يجب الجزاء على المحرم في المسألة الأولى، لأنه ضمنه باليد، ولكن إذا أحرمه رجع به على الحلال، لأنه هو المتلف له، وهو السبب في وجوب الضمان عليه، والحكم في كيفية الرجوع كما بيناه في الحلال إذا حلق رأس المحرم بغير أمره مكرهًا، أو نائمًا.
وفي المسألة الثانية، كل واحد منهما صار ضامنًا له، أمّا الممسك فقد ضمنه باليد. وأمّا القاتل فقد ضمنه بالإتلاف، فكل واحد منهما مخاطب بالغرامة، والضمان، فإن أخرج الممسك رجع على المتلف لأنه هو المباشر لإتلافه وإن أخرج القاتل لم يرجع به على الممسك كما نقول فيمن غصب مالًا فجاء آخر وأتلفه في يد الغاصب لصاحبه أن يغرم أيهما شاء فإن غرم الغاصب رجع على المتلف وإن غرم المتلف لم يرجع على الغاصب، وقيل: ما قاله القاضي في المسألة الثانية، أقيس. وما قاله سائر أصحابنا في المسألة الأولى، أقيس.
فرع آخر
صيد الحرم محرم مضمون على كل أحد كصيد الحل مضمون على المحرم، فيلزمه الجزاء ويتخير بين الأنواع الثلاثة. وبه قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يدخل الصوم في جزائه، وهذا غلط، لأن ما ضمن به الصيد في حق المحرم ضمن صيدًا يحرم كالهدي والإطعام. وقال داود: لا جزاء في صيد الحرم، وهذا غلط، لأن هذا الصيد ممنوع من قتله لحق الله تعالى فأشبه الصيد 214/ أ في حق المحرم.