الكفارة، لأنه لا يتبعّض ولا يجوز الاختصار فيها، على بعض الرقبة بخلاف هذا. وهذا أظهر فعلى هذا يجوز أكل الزيادة، ثم قال: وليس له أن ينحر دون الحرم. وقد ذكرنا موضع نحر الهدي، وتفرقة اللحم، ولو عين بكذا في النذر يذبح ويفرق في تلك البلدة.
مَسْأَلٌة: قال: وإن كان الهدي بدنة أو بقرة قلّدها نعلين.
الفصل
إذا نذر هدياً لا يخلو إما أن يكون إبلاً أو بقراً أو غنماً، فإن كان إبلاً أو بقراً، فالسنة أن يقلدها ويشعرها والتقليد: أن يقلدها ويعلق في عنقها والإشعار: أن يضرب شقها الأيمن من موضع السنام بحديده حتى يدميها، وهي مستقبلة القبلة، فيرى على جانبها، فيعلم أنه هدي وإن قرن بين اثنين أشعر أحدهما من الأيمن والآخر من الأيسر ليشاهد كل واحد منهما.
وبه قال أحمد ومحمد وقال مالك وأبو يوسف وابن أبي ليلى: يشعرها من الجانب الأيسر. وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما. 242/أ وقال مالك في البقر: أن كان لها سنام يستحبّ الإشعار وإلا فلا. وقال أبو حنيفة وحده: الإشعار بدعة والتقليد منة. واحتج بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن تعذيب الحيوان"، وهذا غلط لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ببدنة، فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت الدم عنها، وقلدها نعلين، ثم أتى براحلته، فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج". وهذا نص صريح.
وقوله: سلت الدم أي: أماطه وأصل السلت القطع، وقيل: ذلله على الموضع الذي خرج منه وقوله: استوت على البيداء، أي: علت فوق البيداء وأما الخبر الذي ذكر قلنا: التعذيب ما كان يفعلونه من قطع أسنمة الإبل واليات الشاءة، وسبيل الإشعار سبيل ما أبيح من الكيّ والتوديج والتبريغ والميسم. وفي هذا فوائد، منها: أنها إذا تغيرت أو اختلطت بغيرها أو ضلت استدل بها عليها، وميزت من غيره.
ومنها: أنه ربما يقصدها سارق، فإذا رأى عليها علامة الهدي ربما يرتدع فيتركها.
ومنها: أنها ربما تعطب، فتنحر وتترك في موضعها، فإذا رأى المساكين تلك العلامة يعرفونها.
ومنها: أنه إذا رآها المساكين اقتفوا أثرها إلى المنحر، واحتجّ مالك بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يشعر بدنه في جانب سنامها الأيسر. قلنا: خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى منه. ثم روي عنه أنه كان يقرن بين هديين، ويشعر الجانب الذي ظهر من كل واحد منهما، وهو مذهبنا، وإن كانت غنماً، فالتقليد فيها مسنون 242/ب.
قال الشافعي - رضي الله عنه -: قلدها خرب القرب ولا يشعرها، وأراد بخرب القرب أطرافها وعراها، وإنما قلنا: لا يشعرها لأن على موضع الإشعار منها صوفاً يمنع من ظهور الإشعار عليها، ولأنها ضعيفة لا تحتمل الإشعار.