خبر جابر - رضي الله عنه - في حصر الحديبية، فإذا تقرر هذا فإن أرادوا القربة ذبحوها وسلموا إليهم مذبوحاً ليتصرفوا فيه.
ثم أن قلنا: القسمة إفراز حقّ لهم أن يقتسموها بينهم، فإن قلنا يبيع لم يجز ذلك فيبيع بعضهم من بعض بالدراهم مشاعاً، وإن أراد بعضهم القربة وبعضهم اللحم 24/ ب، فإن المتقرب يسلم نصيبه إليهم، وأقلهم ثلاثة أنفى، فيقول لهم: فيها السبع وقد سلمته إليكم مشاعاً، ويقبضونه منهم، فإذا قبضوه سقط الغرض عنه، ثم أن أرادوا أن يقتسموا ويفرق كل واحد منهم نصيبه، فالحكم على ما ذكرنا.
قال صاحب "التلخيص ": إذا قلنا: القسمة بيع لا يجوز بيع بعضه ببعض كالرطب والعنب واللحم الرطب إلا في موضع واحد، وهو إذا اشتركوا في بدنة أو بقرة في هدي أو أضحية أو جزاء أو أي دم كان لله تعالى واجباً كان أو غير واجب يجوز أن يقتسموا للضرورة، لأنه لا مدخل للبيع فيها إذ لا يجوز بيع شيء من الهدي والأضحية.
قال: وكذلك إذا أواد بعضهم اللحم، وهذا لا يصح، لأنه يمكنهم بيعه ممن يريد اللحم ويقتسمون ثمنه.
وقال أبو حامد: الحيلة فيه أن يجزأ سبعة أجزاء ويقول كل واحد من الشركاء:
اتبعت حقكم من السبع بدرهم وبعتكم حقي بدرهم، فيحصل لكل واحد منهم السبع، ويكون ذلك بيع لحم وابتياعه بدرهم لا أنه بيع لحم بلحم. وهذا بعد تسليم نصيبهم مشاعاً إلى المساكين ليكونوا شركا، لأصحاب اللحم، فيصح البيع حينئذٍ، فإن قبل ذلك، لا يصح البيع.
مَسْأَلٌة: قال: فإن كان الهدي ناقة فنتجت سيق معها فصيلها.
الهدايا على ثلاثة أضرب: هدي يسوق المحرم مع نفسه ولا يعين النذر فيه ولا نوى به التطوع، بل ساقه على أنه أن لزمه هدي أخرجها، وإن لم يلزمه أن شاء أخرجها تطوعاً، وإن شاء تركها، فهذه ملكه وله التصرف فيها كيف شاء بالبيع وغيره، وإن نتجت كان النتاج له كالأم، لأنها لم تصر بالسوق هدياً، وإن تلف تلف من ماله، ولا شيء عليه، وهدي عينه نذراً 244/أ.
فقال: لله علي أن أهدي هذه الشاة بعينها فقد زال ملكه بذلك، وصارت ملكاً لمساكين الحرم، ويجوز له التصرف فيها بوجه، وإن تلفت كان تلفها من مال المساكين، وان ولدت ولداً ساق معها ولدها، قال: فإن كان لا يقدر على المشي حمله على أمه، وإن حمل عليها من غير ضرورة، فأعجفها غرم قيمة ما نقصها، وهدي كان في ذمته واجباً بعينه في شاة بعينها، فتعين ذلك فيه، لأن ما كان ثابتأ في الذمة إذا عين في شي، تعين. ألا ترى أنه لو كان في ذمته عتق فعينه في عبد تعين فيه؟ وليس له النظر فيه بوجه.
ثم ينظر فيه، فإن سلم دفعه إلى المساكين، وإن عاب عاد إلى ملكة، وعليه أن يذبح هدياً سليماً من العيب، لأنه إذا لم يجز عما في ذمته وجب أن يعود إلى ملكه.