فصل:
فإن كان الصيدان في جهتين، فأرسل إلى إحداهما، فعل ل إلى الآخر، فله في اختلاف الجهات أسماء يقال: صيد سائح إذا كان عن يسار الرامي، وهو أمكن، وصيد بارح إذا كان عن يمين الرامي، وهو أشق وصيد قعيد إذا كان مقابل الرامي فإذا أرسل على صيد في جهة، فعدل إلى غير من جهة أخرى، فلا يخلو أن يكون سلاحاً أو جارحاً، فإن كان سلاحاً خرج عن يده من سهم رماه أو سيف ألقاه، فعدل السهم أو السيف عن تلك الجهة إلى غيرها إما لريح اعترضته أو لخطأ كان منه، فالصيد مأكول، لأنه منسوب إلى فعله، وإن أخطأ في قصده، وخطأ المذكي لا يمنع من إباحة ذكاته كما لو أراد شاة فذبح غيرها.
وان كان ذلك جارحاً من كلب أرسله إلى جهة، فعدل إلى غيرها، فقد حكى أبو حامد الإسفراييني في إباحته وجهين:
أحدهما: أنه مباح الأكل كالسهم، ونسبه إلى قول أبي إسحاق المروزي ولم أره في شرحه.
والثاني: أنه لا يؤكل، وفرق بين الكلب والسهم، لأن للكلب اختياراً ينصرف به، وأصحّ عندي من هذين الوجهين أن يراعي مخرج الكلب عند إرساله، فإن خرج عادلاً عن جهة إرساله إلى غيرها لم يؤكل صيده منها، وإن خرج إلى جهة إرساله ففاته صيدها، فعدل إلى غيرها، وأخذ صيدها أكل؛ لأنه على الصفة الأولى مخالف، فصار مسترسلاً وعلى الصفة الثانية موافق، وكان مرسلاً، وهذا أدل على فراهته؛ لئلا يرجع خلياً إلى مرسله. ألا ترى أن الصيد له عدل عن جهة إلى غيرها، فعدل الكلب إليها حتى أخذه حل؛ كذلك إذا أخذ غيره.
فصل:
وإذا أرسل سهمه على صيد في الحل، فعصفت الريح بالصيد والسهم إلى الحرم حتى قتله فيه ضمنه بالجزاء، ولم يأكله.
ولو أرسل كلبه على صيد في الحل، فعدل الصيد والكلب إلى الحرم حتى قتله فيه لم يضمنه، وحل له أكله؛ لأن حكم الكلب معتبر بحال إرساله، وحكم السهم معتبر بحال وقوعه، ولو أرسل سهمه على صيد، فأصاب السهم الأرض، ثم أدلف فيها إلى الصيد فقتله ففي إباحة أكله وجهان:
أحدهما: يؤكل لوصوله إليه بفعله.
والثاني: لا يؤكل؛ لأن وصوله إلى الأرض قاطع بفعله.
وهذان الوجهان من اختلاف قولي الشافعي في السهم المزدلف إذا أصاب هل يحتسب به في الإصابة على قولين.