مسألة:
قال الشّافِعي رحمهُ اللهُ تعالى:" وإنّ أرِسلهُ ولا يرى صيدا ونوى فلأ يأكُلُ ولا نُعمِلُ النّيّة إلّا مع عيْن ترى ولوْ كان لا يجوزُ إلّا ما نوّاهُ بِعيْنه لكان العلم يُحيطُ أن لوْ أرِسل سهما على مائة ظبي أوْ كلّبا فأصاب واحِدا المصابّ غيْر منّوي بِعيْنه".
قال في الحاوي: أما إذا أرسل كلبه، وهو لا يرى صيداً، فعن للكلب صيد وأخذه لم يؤكل؛ لأن إرساله على غير شيء ليس بإرسال، فصار الكلب كالمسترسل فلم يؤكل صيده.
ولو أرسل سهمه، ولا يرى صيداً، فاعترضه صيد وأصابه، ففي إباحة أكله وجهان:
أحدهما: أنه لا يؤكل كالذي صاده الكلب؛ لأنهما على غير شيء.
والوجه الثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه يؤكل، وان لم يؤكل ما صاده الكلب، والفرق بينهما أن القصد في ذكاته غير معتبر؛ لأنه ليس يعارضه اختياره غيره.
فصل:
ألا تراه لو قطع خشبة لينة، فصادف حلق شاة، فذبحها أكلت. والقصد في إرسال الكلب معتبر؛ لأنه قد يعارضه اختيار الكلب، فإذا لم يصح منه القصد صار منسوباً إلى اختيار الكلب، فافترق.
وقد حكى ابن أبي هريرة عن بعض أصحاب الشافعي أنه إذا أخطأ في قطع الخشبة إلى ذبح الشاة لم تؤكل، وقد نص الشافعي على إباحة أكلها، وما قاله الشافعي فقياس واضح؛ لأن الصبي والمجنون تصح ذكاتها، وان لم يصح قصدهما، وكذلك الخاطئ.
مسألة:
قالُ الشّافِعيِ رحمهُ اللهُ تعالى:" ولوْ خرّج الكلِبُ إلى الصّيْدِ مِن غيْر إرسال صاحِبهُ فزجرهُ فاِنزجر وأشلّاهُ فاستشلى فأخذ وقتل أكُلّ وإنّ لم يُحدث غيْر الأمر الأول فَلَا يأكُلُ وَسَوَاء استشلاه صاحِبهُ أوْ غيْره مِمّن تجوُّز ذكاتِهُ.
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن إرسال الكلب شرط في إباحة صيده، فإن استرسل بغير إرسال لم يحل صيده إلا أن يدرك حياً، فيذكى، وهو قول جمهور الفقهاء، وشذ الأصم وابن جرير الطبري، فلم يعتبر الإرسال: لأنه بالتعليم قد صار مرسلاً، وهذا خطأ؛ لأن التعليم هو أن لا يسترسل حتى يرسل وينزجر عن الاسترسال، فإذا كان كذلك، واسترسل الكلب لنفسه، فله مع صاحبه أربعة أحوال:
أحدها: أن يتركه على استرساله، ولا يشليه، ولا يزجره، فلا يؤكل ما صاده.