والثانية: أن يزجره، فلا ينزجر، فلا يؤكل صيده؛ لأنه بالإسرع بعد الزجر أسوأ حالاً.
والثالثة: أن يزجره ثم يشليه، فيستشلى، فيؤكل صيده؛ لأنه صاده بعد الانزجار عن إرساله.
والرابعة: أن يشليه بعد الاسترسال، ويغريه بالصيد، فيمضي على إسراع بعد إشلائه واغرائه، سواء زاد إسراعه بالإغراء أو لم يزد، فإنه لا يؤكل. وقال أبو حنيفة: يؤكل استدلالاً بأن ما تقدم من استرساله قد انقطع بما حدث من إغوائه كما ينقطع زجره قبل إغرائه، فوجب أن يكون الحكم معتبراً بالآخر دون الأول؛ ولأنه إذا اجتمع استرسال وإغراء تعلق الحكم بالإغراء دون الاسترسال كالصيد إذا استرسل على طلب، فأغراه به محرم ضمنه الجزاء تغليباً لحكم الإغراء، كذلك في إباحة الأكل.
ودليلنا: إن الاسترسال حاظر والإغراء مبيح، وإذا اجتمع الحظر والإباحة يغلب حكم الحظر على الإباحة، كما لو اجتمع على إرساله مسلم ومجوسي؛ ولأن الإغراء بعد الاسترسال موافق له، فصار مقوياً لحكمه، وزائداً عليه، فلم يزد حكمه بالقوة والزيادة، كما لو أرسله مجوسي وأغراه مسلم، أو أرسله مسلم وأغراه مجوسي.
فأما الجواب عن قوله: إن الإغراء قد قطع الاسترسال كالزجر، فإنه إنما يقطع الاسترسال ما خلفه ولا يقطع ما وافقه والزاجر مخالف للاسترسال فصار قاطعاً والإغراء موافق له، فلم يكن قاطعاً.
وأما الجواب عن قوله: إن اجتماع الاسترسال والإغراء موجب لتغليب حكم الإغراء كالمحرم، فهو أنه فيه لأصحابنا وجهين:
أحدهما: أنه لا ضمان على المحرم بإغرائه، تغليباً لحكم الاسترسال، ويصير دليلاً لنا لا علينا.
والثاني: يضمن بالإغراء، وان لم يصر مأكولاً بالإغراء؛ لأنه إذا اجتمع في هذا الضمان إيجاب وإسقاط، يغلب حكم الإيجاب على الإسقاط، وإذا اجتمع في المأكول حظر وإباحة يغلب حكم الحظر على الإباحة. ألا ترى أن الصيد المتولد من بين مأكول وغير مأكول إذا قتله المحرم ضمنه بالجزاء تغليباً لحكم الإيجاب ولا يؤكل تغليباً لحكم الحظر؟ كذلك في مسألتنا، فلا يكون إسقاطاً لحكم الاسترسال بالإغراء.
مسألة:
قالُ الشّافِعيِ رحمهُ اللهُ تعالى:"وإذاً ضرِب الصّيْدِ فقطعهُ قِطعتيْنِ أكُلّ وإنّ كانت إحدى القِطعتيْنِ أقلُّ مِن الأخرى ولوْ قِطعِ مِنه يدا أوْ رجلا أوْ أذِنا أوْ شيئا يمّكُنّ لوْ لم يُزد على ذلِك أن يُعيِّش بعد ساعةِ أوْ مدّةً أكثرُ مِنها ثمّ قتلهُ بعد بُرميّتِهُ أكُلّ كُلّ ما كان