مسألة:
قالُ الشّافِعيِ رحمهُ اللهُ تعالى:" ولوْ رمى طائِرا فجُرحهُ ثمّ سقط إلى الأرض فأصبناهُ ميتاً لم نذِر أمات في الهواءِ أم بعدما صار إلى الأرض أكُلّ لِأنّه لا يوصِلُ إلى أن يُكوِّن مأخوذاً إلّا بِالوُقوعِ ولوْ حرم هذا حُرمِ كُلّ طائِر رمي فوقع فماتٍ ولكِنه لوْ وقع على جبلِ فتردّى عنه كان متردياً لا يُؤكِّلُ إلّا أن تُكوِّن الرِّميَة قد قطّعت رأّسهُ أوْ ذِبحتهُ أوْ قِطعة باثنتين فيُعلِمُ أنّه لم يُتردّ إلّا مذكي".
قال في الحاوي: أما الماشي من الصيد أياً رماه، فقط على جنبه، فمات أكل ولا يحرم بالسقوط على الأرض إذا عادته أنه لا يثبت بعد موته إلا ساقطاً، وأما الطائر من الصيد إذا رماه، فسقط على الأرض ومات، فإن كانت الرمية قد وحته في الهوار لوقوعها في مقتل حلّ أكله باتفاق وإن لم توحه لوقوعها في غير مقتلع فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه مأكول وقال مالك: هو غير مأكول إلا أن يعلم موته في الهواء؛ لأن سقوطه على الأرض قاتل، فصار موته بمبيح وحاظر، فوجب أن يحرم كالمتردية، ودليلنا عليه شيئان:
أحدهما: أنه لما لم يؤصل إليه إلا بالوقوع على الأرض لم يمنع وقوعه عليها إباحة الأكل، وإن كان مؤثراً في فوات النفس كسقوط الماشي على الأرض.
والثاني: أن ما يشق الاحتراز منه في الصيد كان عفواً، كالذكاة في محلها وفيه انفصال.
فصل:
فأما إذ سقط الطائر بعد رميه إلى الماء، فإذ كانت الرمية موجية حل أكله، وإن كانت غير موجية، فله حالتان:
أحدهما: أن يكون من طير البر، فلا يحل أكله إذا مات بعد سقوطه في الماء؛ لرواية عامر الشعبي عن عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال وسأله: "إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتله، فكله، إلا أن تجده قد وقع في ماء فمات، فإنك لا تدري الماء قتله؟ أو سهمك؟ ولأن الماء بعد الجرح أبلغ في فوات نفه من الجرح مع إمكان الوصول إليه في الأغلب من غير وقوع في الماء.
والثاني: أن يكون من طير الماء، ففي إباحة أكله إذا مات بعد سقوطه في الماء وجهان:
أحدهما: لا يحل أكله تعليلاً بما ذكرناه.
والثاني: يحل أكله؛ لأنه لا يكاد في الغالب يفارق الماء، فصار سقوطه فيه، كسقوط غيره في الأرض.