فأما إن سقط الصيد في النار فمات فيها لم يؤكل سواء كان الصيد طائراً أو ماشياً؛ لأن النار قاتلة، ويستغني الصيد عن وقوعه فيها، إلا أن يعلم موته قبل وقوعه فيها فيحل.
فصل:
وإذا سقط الطائر بعد رميه على حائط أو شجرة أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض، فسقط إليها، فمات أو كان الصيد ماشياً فرماه على الجبل، فتردى منه إلى الأرض، فمات، فله حالتان:
أحدهما: أن يحصل موته قبل ترديه من الجبل والحائط الشجرة فيحل أكله؛ لأنه لا تأثير لترديه عن موته.
والثانية: أن لا يعلم موته قبل ترديه، فأكله حرام؛ لأنه قد صار من جملة المتردية التي حرمها الله تعالى في كتابه بقوله: {والْمُنْخَنِقَةُ والْمَوْقُوذَةُ والْمُتَرَدِّيَةُ} المائدة:3 ولأن ترديه نادر، فحرم به كسقوطه في الماء.
ولو رمى طائراً، فخر إلى الأرض، واستقبله رجل بسيفه، فقطعه باثنتين حرم أكله إلا أن يكون الجرح قد وجأه في الهوى، فلا يحرم؛ لأن قطعه بالسيف قبل التوجية ليس بذكاة، فصار مستهلكاً له، فحرم به، وضمنه لمالكه.
مسألة:
قالُ الشّافِعيِ رحمهُ اللهُ تعالى:" ولا يُؤكِّلُ ما قِتلُهُ الرّمي إلّا ما خِرقُ بدقته أوْ قطع بِحدِّهُ فأما ما جُرحُ بِثقلِهُ فهوَ وقيذة".
قال في الحاوي: أما الذكاة في اللغة، ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن التطيب من قولهم: مسك ذكي إذا كان طيب الرائحة، ولكنها في الشرع تطييب الذبيحة بالإباحة.
والثاني: أنها القطع لكنها في الشرع قطع على صفة مبيحة، فصارت في الشرع قطعاً خاصاً، وفي اللغة قطعاً عاماً.
والثالث: وإليه أشار الشافعي، أن الذكاة القتل؛ لأنها لا تستعمل إلا في النفوس، لكنها في الشرع قتل في محل مخصوص، فصارت أخص منها في اللغة.
قال الشافعي: وجميع ما قال الله تعالى: {إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} المائدة:3 إلا ما قتلتم، ولكن كان مجوزاً أن يكون ببعض القتل دون بعض، فلما قال: {إنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً} البقرة:67 دل على أن الذكاة المأمور بها الذبح دون غيره، وكان النحر في معنى الذبح.