فإذا تقرر هذا، فالذكاة على ضربين في مقدور عليه، وممتنع.
فإذا كانت في مقدور عليه لم تكن إلا ذبحاً في الحلق أو نحراً في اللبة بما يقطع بعده دون ما يخرق بدقه، وسواء كان بحديد أو بغيره من المحدد إذا مار في اللحم مور الحديد من ليط القصب، وما حدد من الزجاج، والحجر، والخشب؛ لأن المقصود منها ما قطع بحد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما انهر الدم وفرى الاوداج فكل".
وروي أن عدي بن حاتم سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا نجد الصيد ولا نجد ما نذكي به إلا الظرار وشقة العصا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرر الدم بما شئت".
قال أبو عبيد: الظرار حجارة محددة.
وقوله: "أمرر الدم بما شئت" أي سِلْهُ بما شئت.
فأما ما قطع من ذلك بشاة اعتماد المذكي، وقوة ثقله، فلا يؤكل ومثله الحديد لو كان لا يقطع بحده، ويقطع بشدة الاعتماد، وقوة الذابح لم يؤكل لأنه يصير المنهر للدم هو الذابح دون الآلة.
وأما الممتنع فكل موضع من جسده محل لذكاته مما قطع بحده كالسيف والسكين أو خرق، وثقب بدقته كالسهم والحربة، فمار في اللحم، ودخل، سواء كان حديداً أو ما قام مقامه من القصب، والخشب، والمحدد، والحجارة المحددة. فأما ما قطع بثقله أو بقوة الرامي كالخشب الأصم، والحجر الصلد، فإنه وقيذ لا يؤكل لقول الله تعالى: {والْمَوْقُوذَةُ والْمُتَرَدِّيَةُ} المائدة:3 والموقوذة: هي المقتولة ضرباً، والمتردية: هي الواقعة من شاهق.
وروى عامر الشعبي عن عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد المعراض، فقال: "ما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه، فهو وقيذ".
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن "الجلاهق" وهو قوس البندق؛ لأنه يقتل الصيد بقوة راميه، وليس يقتله بحده كالسهام، فأباح السهم، ونهى عن البندق. فإن قيل: فقد روى الأعمش عن إبراهيم، عن عدي بن حاتم أنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البندق، فقال: "إن خرقت فكل، وإن لم تخرق فلا تأكل" قيل: هذا الحديث ليس بثابت، ولا أصل له، فإن سفيان قال: سألت الأعمش عن حديث البندق يعني هذا الحديث المروي عنه أنه ليس من حديثك، فقال: كيف أصنع بهؤلاء أصحاب الحديث يقرؤون من أصل ما ليس فيه.