قدمناه من القياسين واستدلال أبي حنيفة علينا وهما في استدلال أبي حنيفة بهما مرفوعان بالنص، ووجب استعمال الخبرين، فنحمل الأمر به على السنة والاستحباب دون الإيجاب بدليل الخبر الآخر، فلا يكون واحد منهما مطرحاً.
فصل:
فإذا ثبت أنه سنة ففي قوله: "فلا يمس من شعره ولا بشره شيئًا" تأويلان ذكرهما الشافعي:
أحدهما: أنه أراد بالشعر شعر الرأس، وبالبشرة شعر البدن، فعلى هذا لا يكره تقليد الأظفار.
والثاني: أنه أراد بالشعر شعر الرأس والبدن، وبالبشرة تقليم الأظفار، وتكون السنة في تركه لأخذ شعره وأظفاره سواء، وأخذه لهما معاً مكروهاً، ولا يكره له الطيب واللباس، اقتصاراً على ما ورد به الخبر، واختلف أصحابنا في أول زمان الكراهة لأخذ شعره وبشره بعد استهلال ذي الحجة على وجهين:
أحدهما: إذا غرم على أن يضحي ولم يعينها كره له أن يمس من شعره وبشره حتى يضحي.
والثاني: أنه لا يكره له حتى يشتريها أو يعينها من جملة مواشيه، فيكره له بالشراء والتعيين.
أخذ شعره وبشره ولا يكره بالعزم والنية قبل التعين، والله أعلم.
مسألة:
قَالُ الشَّافِعِيِ:" فَإذاً ضُحًى الرَّجُلِ فِي بَيْتِهُ فَقَدْ وَقِعَ ثَمَّ اِسْلَمْ أَضَحِيَّةَ".
قال في الحاوي: ويقال ضحية وأضحية وأضحاة والضحايا، جمع ضحية، والأضاحي والهدايا من جمع وفرق فيجتمعان من وجهين، ويفترقان من وجهين:
فأما الوجهان في الجمع بينهما: فهو أنهما معاً مسنونتان غير واجبتين.
والثاني: أن له أن يأكل منها ويتصدق ويطعم الأغنياء وأما الوجهان في الفرق: فهو أن محل الهدايا في الحرم، موضع الضحايا في موضع المضحي.
والثاني: أنه يمنع من إخراج لحوم الهدايا من الحرم، وإن جاز له ادخاره فيه، ولا يمنع من إخراج لحوم الضحايا عن بلد المضحي.
فإذا تقرر هذا جاز للمضحي أن يضحي في بيته تكتب في الوسط غير بيته سراً وجهراً، وإذا ضحى بشاة أقام بها السنة، وإن كثر أهله ولا يؤمر أن يضحي عن كل واحد