مسألة:
قَالُ الشَّافِعِيِ رحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:" وَأُمِرُّ مِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يُمِسُّ مِنْ شَعْرِهُ شِيئَا اتباعاً وَاِخْتِيَارَا بِدَلالِهُ السِّنَّةَ وَرَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَفَتُّلُ قَلاَئِدِ هُدى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَمَّ يُقَلِّدُهَا هُوَ بِيدُهُ ثَمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَلَمْ يُحْرِمُ عَلَيه شَيْءَ آحله اللهِ لَهُ حَتَّى نَحَرَّ الْهُدى. قَالُ الشَّافِعِيِ رحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: والأضحية سِنَّةً تَطَوُّعِ لَا نَحْبَ تَرْكِهَا وَإِنَّ كَانَتْ غَيْرَ فُرَّضِ"
قال في الحاوي: وأصل هذا ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً".
ورواه الترمذي، قال أحمد بن الحكم البصري حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن ابن المسيب، عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره".
قال: هو حديث حسن.
واختلف الفقهاء في العمل بهذا الحديث على ثلاثة مذاهب:
أحدها: وهو مذهب الشافعي _ أنه محمول على الاستحباب دون الإيجاب وأن من السنة لمن أراد آن يضحي أن يمتنع في عشر ذي الحجة من أخذ شعره وبشره فإن أخذ كره له ولم يحرم عليه.
وهو قول سعيد بن المسيب.
والثاني: هو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أنه محمول على الوجوب وآخذه لشعره وبشره حرام عليه، لظاهر الحديث وتشبيهاً بالمحرم.
والثالث:- وهو قول أبي حنيفة ومالك _ وليس بسنة ولا يكره أخذ شعره وبشره احتجاجاً بأنه محل، فلم يكره له أخذ شعره وبشره كغير المضحي، ولأن من لم يحرم عليه الطيب واللباس لم يحرم عليه حلق الشعر كالمحل.
والدليل على أحمد وإسحاق: إنه مسنون وليس بواجب ما رواه الشافعي عن مالك عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ثم قلدها رسول الله ثم بعث بها مع آبي فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحله الله له حتى نحر الهدي فكان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضحاياه، لأنه كان بالمدينة، وأنقذها مع أبي بكر سنة تسع، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم، فلما
لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم، ويدل على ذلك ما