والأسفار معتبر بصلاة الأئمة في أقرب البلاد بهم، فإن ذبح أهل الأمصار قبل ذبح الإمام كانت شاة لحم ولم تكن أضحية.
والرابع: وهو قول عطاء، أنه في وقت جميع الناس معتبر بطلوع الشمس من يوم النحر، واستدل من ذهب إلى قول أبي حنيفة ومالك برواية البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ذبح قبل صلاة الإمام".
وبرواية جرير بن عبد الله البجلي قال: شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلم أن ناساً ذبحوا قبل الصلاة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان منكم ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله"
قالوا: وتقديرها بفعل الصلاة يقين وتقديرها بزمان الصلاة اجتهاد، فكان اعتبار وقتها باليقين أولى من اعتباره بالاجتهاد؛ ولأن تقديرها بالفعل متفق عليه، وبالزمان مختلف فيه والأخذ بالاتفاق أولى من العمل بالاختلاف.
ودليلنا ما رواه الشافعي عن عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يرمي النحر خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "لا يذبحن أحد حتى يصلي" فقام خالي فقال: يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه مكروه واني ذبحت نسيكتي فأطعمت أهلي وجيراني، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد فعلت فأعد ذبحاً آخر قال: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم، فقال: "هو خير نسيكتيك لن تجزيء جذعة عن أحد بعدك"
فموضع الدلالة فيه: أنه علق التحريم بصلاة المضحي لا بصلاة الإمام والمضحي يجوز أن يصلي العيد منفرداً وليس يعتبر فعله للصلاة اتفاقاً، فدل على أنه أراد وقت الصلاة.
ومن القياس: أن كل عبادة تعلقت في حق أهل القرى تعلقت بالوقت في حق أهل الأمصار، كالصلاة طرداً والكفارات عكساً؛ ولأن كل ما كان وقتاً للذبح في حق أهل القرى، كان وقتاً للذبح في حق أهل الأمصار، كما بعد الصلاة طرداً وعكسه دلالة عليهم في أهل القرى أن كل ما لم يكن وقتاً لذبح أهل الأمصار لم يكن وقتاً لذبح أهل القرى، كما قبل الفجر؛ ولأن ما توفت من العبادات إذا تقدر آخره بالوقت تقدر أوله بالوقت كالصلاة طرداً أو الزكاة عكساً؛ ولأن أحد طرفي زمان الذبح، فوجب أن يكون مقدراً بالوقت كالطرف الأخير.
فأما الجواب عن قوله: "لا ذبح قبل صلاة الإمام" فمن وجهين:
أحدهما: أن الإمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد مضى، فوجب أن يعتبر وقت صلاته وهو ما قلناه.