قال في الحاوي: وهذا صحيح وهي غير مكروهة؛ لأنه في جميع العبادات كالناطق، ولأنه وإن عجز عن التسمية فليست شرطاًَ في الذكاة وإشارته بها تقوم مقام نطق الصحيح فلم يكن تاركاً لها، ويجزئ على قول أبي حنيفة ومن أخذ بمذهبه في وجوب التسمية على الذبح أن يبيح ذكاته في حق نفسه، ولا يبيحها في حق غيره في اللحوم والأضاحي: ولأن إشارته بالتسمية تقوم مقام النطق في حق نفسه، ولا تقوم مقامه في حق غيره فيما قد ينفرد به لأجل هذا الخلاف كفاية.
فأما ذبيحة الأعمى، فمكروهة، وإن حلت خوفاً من أن يخطئ محل الذبح ولا تمنع من الإباحة كالبصير إذا ذبح مغمض العينين أو في ظلمة.
مسألة:
قَالُ الشَّافِعِيِ:" وَأَكِرُهُ ذَبيحَةً السَّكْرَانَ وَالْمَجْنُونَ فِي حالِ جُنُونِهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا حَرامُ ".
قال في الحاوي: وإنما كرهنا ذبيحة السكران والمجنون لما يخاف من عدولهما عن محل الذبح، ومبالغتهما في القطع إلى محل الكراهة مباحة، لأنهما من المسلمين، والقصد في الذكاة غير معتبر ومن هم من أصحابنا في ذكاة الصبي، فخرج بها وجهاً أخر، وهي في السكران والمجنون، فخرج في ذكاتهما وجهاً أخر أنها لا تصح. أما المجنون، فمن عمده في القتل، وأما السكران فمن قوله في القديم: إن طلاقه لا يقع وتخريجه في الجميع فاسد بما ذكرناه، ويجب على مذهب مالك أن ذكاتهم تكون لحماً، ولا تكون أضحية على قياس قوله في الكافر.
مسألة:
قَالُ الشَّافِعِيِ: "وَلَا تَحِلُ ذَبيحَةُ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُوَ قولَ عُمَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه".
قال في الحاوي: ذبيحة النصارى على أقسام، وكذلك اليهود.
أحدها: ما كان مباحاً، وهم بنو إسرائيل، ومن دان بدينهم قبل التبديل، ولم يعتقد في العزير والمسيح، أنهما ابنا الله، فتحل ذبائحهم سواء كانوا من أهل الذمة أو من أهل الحرب لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} المائدة:5.
والثاني: ما كان محرماً، ومنهم من دخل في اليهودية والنصرانية بعد التبديل كنصارى العرب ومن جرى مجراهم من النصارى واليهود، فذبائحهم حرام لا تحل لسقوط حرمتهم.
والثالث: ما كان مختلفاً فيه، وهم بنو إسرائيل من اليهود والنصارى، إذا قالوا في العزير والمسيح إنهما ابنا الله ففي إباحة ذبائحهم وجهان لأصحابنا: أحدهما: يحل أكل